بنغازي 04 سبتمبر 2022 (وال) _ أكثر من عشرين جريمة قتل عمد حصدتها مدينة بنغازي خلال التسعون يوماً الماضية، و لعل ما أثار حفيظة الشارع الليبي هو أن الجاني و المجني عليه أو عليهم هم أفراد الأسرة الواحدة، (كأب يقتل ابنتيه بمساعدة ابنه، و شقيق ينهي حياة شقيقه، وآخر يذبح أخته داخل منزل العائلة، و الرابع يقدم على سرقة سلاح ناري لقتل والده، و الخامس يرديها قتيلة تحت ستار الشرف ، و غيرهم).
هذا و سجلت اعترافات الجناة التي عرضت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ردود أفعال متباينة بين روادها، الذين عبروا عن غضبهم و رفضهم و استنكارهم لهذه الأفعال التي وصفها بعضهم بلا إنسانية تارة و الوحشية تارة أخرى، مطالبين بأقصى العقوبات الرادعة لمرتكبيها ومنهم من نادى بسرعة القصاص من الجناة.
خلل داخل التركيبة الاجتماعية
من وجهة نظر الأستاذة عند الفايدي – خبيرة اجتماعية _ أن هناك شبكة من العوامل أدت إلى وقوع هذه النتائج، قائلة: (الظواهر المستحدثة في المجتمع التي أدت إلى تصدع أسري، و بالتالي صناعة خلل داخل التركيبة الاجتماعية و اندثار العادات و التقاليد المتوارثة و غياب الرقابة الأسرية في ظل الصعوبات المعيشية و تذبذب الدخل و عدم الانتباه إلى مشروعية الدخل لأفرادها إلا بعد فوات الأوان، فالسلوك الإجرامي ينتج عن تفكك الأسرة و التغير السكاني و الظروف الاقتصادية ومنها نتيجة العنف المتراكم، اتساع دائرة التعاطي الذي يذهب العقل، و عدم الاستقرار الاجتماعي).
و طالبت “الفايدي” بضرورة تكاثف المؤسسات الحكومية كشؤون الاجتماعية و الأوقاف، موضحة أنه لا يمكن أن نغفل دور التعليم و التربية و لابد من تفعيل دور الإخصائي الاجتماعي داخل المدارس.
السلوك الانحرافي مكتسب
بينما بينت (فاطمة مسلم) أستاذة علم الاجتماع، وجهات النظر العلمية الملامسة لواقعنا اليوم قائلة: (أثبت النظريات أن السلوك الإجرامي هو سلوك متعلم، حيث بينت أن أغلب المنحرفين ينحدرون من أسر مفككه يغيب عنها أحد الوالدين أو يكـون أحـد الوالدين منحرفا)
وأشارت إلى أن رفاق السوء يلعبوا دورا مهماً في ارتكاب الجريمة، فالإنسان لا يولد مجرماً بل يتأثر بتصرفات الآخرين، ويكتسب الـسلوك الانحرافـي منهم ، فالنقص في التعليم الديني و الخلقي والثقافي والعائلي والبيئي يؤدي إلى إبراز تلك الميول العدوانية، بالإضافة إلى أن هناك علاقة وثيقة بين تناول الخمر وتعاطي المخدرات و الـسلوك الإجرامي، لأنها أحد الدوافع الرئيسية والمـساعدة ، لخلقها شـعورا بعـدم الاهتمـام واللامبالاة نحو الآخرين ).
وأكدت “مسلم” أن الأمر يصبح أكثر صعوبة لدى المدمنين أصحاب الميول أو استعداد إجرامي ، فيفقد السيطرة ، وهذا يفسر على (حد قولها ) أن مـن شـاربين الخمـر أو المتعـاطين
للمخدرات يرتكب أي جريمة ومنها جرائم القتل.
و فيما يتعلق بقراءات علم النفس الجنائي في هذه الجرائم ، أفادت سليمة الطيرة – أستاذة علم النفس بكلية التربية بنغازي ( أن علم النفس الجنائي يبحث على تفسير الجريمة و الدوافع من و راء ارتكابها، من خلال دراسة سلوك الجاني فيتضح لنا في الحوادث الواقعة مؤخرا أنها وقتية و ليست تراكمية، أي نتيجة موقف تعرض له الجاني، نتج عنها حالة من التوتر ينتج عنه القتل العمد أو غير العمد).
وتابعت: (ربما يعود السبب إلى البيئة التي قد تكون محفزة لارتكاب الجريمة ، سواء في محيط الأسرة أو المجتمع مثل تراكم الضغوط ، و لا يمكننا إغفال جانب المتعة لدى الأشخاص الذين يخططون لارتكاب الجريمة، وهم يعانون من اضطرابات نفسية واضحة و يكونون تحت تأثير المخدرات، و نحن هنا لسنا بصدد تبرير لهذه الأفعال و لكن لكل جريمة ظروفها و تعتبر من منظورنا العلمي حالة خاصة، و هنا لا يجوز التعميم).
وتوصي الطيرة بضرورة تكثيف الدراسات من قبل المختصين لأنها قد تتحول إلى ظاهرة داخل المجتمع و العمل على التأكد من سلامة الصحة النفسية للجناة ليفصل فيها موضوع القضاة، قائلاً (ما نعرفه أن علم النفس الجنائي يتدخل في تخفيف بعض الأحكام القضائية أو تغيرها ، فمن يعانون الاضطرابات الذهنية و الواقعين تحت تأثير المخدر الذي يؤثر على العمليات العقلية لدى الإنسان، و على الإدراك و التفكير و العمليات المعرفية التي تحدث في الدماغ، و بالتالي تنعكس على سلوكه و تصرفاته و إدراكه للواقع)، مشيرة إلى أن الاضطراب الذهني و المخدر يؤدي إلى ارتكاب الجرائم بدون قصد و الهدف ليس ارتكاب الجريمة بل الجاني هو الضحية، و الذي في حال لابد من تحويلهم إلى العلاج).
و في الختام …
تبذل المؤسسات الأمنية جهداً واضح في القبض على الجناة، و لكن ماذا عن دور نظيراتها في وضع خطة محكمة لكبح جماح هذا القتل المستباح ؟
تقرير: هدى الشيخي