بنغازي 10 أكتوبر 2022 (وال) – يتأثر النشاط الاقتصادي داخل الدول بالعديد من العوامل، منها المادي والملموس مثل معدلات النمو واكتشافات المواد الخام، ومنها المعنوي مثل سلوك المستهلكين والثقافة العامة للبلدان، وتعد الأخيرة من أهم المؤثرات على الاقتصاد بشكل عام، فهي قد تكون دافعاً للنمو تحت مسمى الاقتصاد الثقافي، حيث نجد الكثير من الدول حققت فوائد اقتصادية كبيرة من خلال التوظيف الجيد لخريطتها الثقافية، سواء عن طريق انعكاس السلوك المجتمعي الجيد على ممارسات شعوبها الاقتصادية، أم عن طريق استثمار تراثها الثقافي لا سيما الحرف اليدوية والسينما والمنتجات الإبداعية في تحقيق عوائد ومدخولات مالية مباشرة.
النهوض بالتنمية الثقافية والاقتصادية
يرى الكثير من المهتمين بهذا المجال أن النهوض بالتنمية الثقافية كرافعة للتنمية الاقتصادية، يتطلب تدشين سياسات عامة تدمج كل الأنشطة والقطاعات الثقافية من منظور استراتيجي عرضي (السياحة الثقافية – البنيات التحتية – التربية والتعليم والتكوين – العمل الجمعي – التكوين المستمر – المتدخلون المهنيون – وسائل الاتصال السمعي البصري … الخ)، بهدف تطوير نظام مؤسساتي للصناعة الثقافية من خلال تقوية المؤهلات المؤسساتية العمومية وشبه العمومية والقطاعات الخاصة المشتغلة في المجالات الثقافية المختلفة، بما ينجم عنه في النهاية مخرج قادر على الإسهام في دفع عجلة النمو الاقتصادي للأمام، فكلما ازدهرت الثقافة ازدهر اقتصاد البلد.
تنمية الاقتصاد الثقافي
وبالحديث عن المستوى المحلي نجد أن ليبيا كغيرها من الدول أصبحت تعي أن هناك علاقة ترابط بين الثقافة والاقتصاد، تلك العلاقة التبادلية التي تتعاظم في الدول المتقدمة، وذلك بالسعي إلى تنظيم العديد من المناشط الثقافية التي تهدف إلى تحقيق التنمية وتحريك العجلة الاقتصادية في البلاد، وأخرها الاستعداد لتنظيم معرض بنغازي الدولي للكتاب في منتصف الشهر الحالي، والذي يعتبر حدث ثقافي ضخم و الأول من نوعه في “العاصمة الاقتصادية”، حيث سيشارك فيه 13 دولة عربية بأكثر من 200 جناح.
علاقة ترابط
وفي هذا السياق، بينت الأستاذة المتعاونة في كلية الاقتصاد بجامعة بنغازي والمهتمة بالشأن الاقتصادي (أميرة صالح فليفل) ـ لوكالة الأنباء الليبية ـ ” أنه لا تقدم للاقتصاد بلا ثقافة، بما أنا الثقافة لها تأثير فعال في الاقتصاد، وهذا ما يحدث بتنظيم معرض بنغازي الدولي للكتاب، لأن هناك علاقة ترابط بين الثقافة والاقتصاد، و ليبيا لن تنهض اقتصاديا دون النهوض بالتعليم والثقافة، فعلينا أن نستثمر في الثقافة لكي ننمو اقتصاديا، فكلما ازدهرت الثقافة ازدهر الاقتصاد، فالاقتصاد والتنمية لا شك أنهما يستفيدان من المنظومة الثقافية برمتها، الكثير من الدول حققت فوائد اقتصادية كبيرة من خلال التوظيف الجيد لخريطتها الثقافية، حيث أصبح القطاع الثقافي يشكل موردًا حقيقيًا لتطوير الأنشطة الإنتاجية في الأسواق العالمية”.
الفعاليات الثقافية و الاقتصاد المحلي
وأكملت فليفل: “أن الفعاليات والمناشط الثقافية تؤثر على اقتصاد الدولة عن طريق معدلات النمو، فعادة عندما نتسأل على الاقتصاد المحلي تكون الردود اقتصادنا اقتصاد ريعي يعتمد على المنتج الخام وهو النفط والغاز ويشكل 95٪ من عائدات ليبيا من النقد، ولكن اليوم نتكلم على الثقافة، أي تأثير الثقافة على الاقتصاد المحلي حيث تتنوع الثقافة في أرجاء العالم وتختلف من مجتمع إلى أخر، فهي تطلق العنان الإبداعي والتحفيز للابتكارات وحل المشكلات، وبالتالي تطوير المجتمع والنمو المهني لأفراد المجتمع، وهذا كله يؤثر على تحسين الاقتصاد، فكل هذه المميزات تسيطر على حركة التجارة بها”.
وأشارت إلى أنه بالثقافة يمكن الوصول إلى حلول محددة لمشاكل التجارة، لذلك يجب على الدولة أن تسعى إلي عمليات الإصلاح في معالجه القضايا الاقتصادية للفصل بين الاقتصاد المحلي والترتيبات السياسية، لتعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي، وذلك بزيادة الثقافات.
سلوك المواطن الثقافي
وحول دور السلوك الثقافي للمواطن في تنشيط العجلة الاقتصادية أجابت المحللة الاقتصادية: “هنا عندما تكون الدولة مشبعة المواطن بالشبع الثقافي سوف يكون استخدام العنصر البشري صحيح لأنه نموذج مثقف مشبع بالثقافة، إذا هنا سوف يقوم المواطن بتغيير وتطوير وابتكار عجله الاقتصاد. ليس تغييرها فقط وإنما تغييرها إلى الأفضل بشرط أن تكون الدولة لها دور في غرس الثقافة”.
العائد المادي
واختتمت المهتمة بالشأن الاقتصادي “يمكن توظيف العائد من هذه المناشط الثقافية على حسب تشكيل المجتمع، لان الثقافة عاملا أساسيا وحيويا لبناء تنمية تلك المجتمع، حيث تحدد كيفية تجاوب أفراده مع بعضهم من ثم يوظف العائد عن طريق القيم والمبادئ (المنبثقة من الثقافة) المقبولة وغير مقبولة منها في المجتمع، مما يساهم في تنظيم حياة الناس وعلاقاتهم”.
أهمية الفعاليات الثقافية
وبالحديث عن أهمية الفعاليات الثقافية لاقتصاد البلاد بين الشاعر والقاص (رامز رمضان النويصري) ـ لوكالة الأنباء الليبية ـ “أن الفعاليات الثقافية لها تأثير مباشر على الاقتصاد المحلي للدولة، فلنتخيل أن دولتنا الليبية بدأت حملة توعوية ثقافية من أجل محاربة الأطعمة المعلبة وأنها وضعت الخطط من أجل ذلك، ماذا ستكون نتيجة هذا العمل بعد فترة من الزمن؟ سيرتفع الناتج المحلي من المواد الغذائية الأساسية، التي كانت تستورد. كما ستزدهر الزراعة والصناعة، الأمر الذي سيتبعه توفر فرص عمل، وانتعاش اقتصادي، بكل تأكيد سيصل إلى التصدير. و تغير واضح وكبير في سلوك المواطن، الذي سيبدأ في تناول المواد الغذائية طازجة وفي شكلها الطبيعي، مما يعني حاجة أقل للعلاج، ومراجعة الوحدات الطبية، مما يقلل من مصروفات الدولة في القطاع الصحة”.
السياسة الثقافية
وتابع النويصري “من المهم أن تكون لكل دولة سياستها الثقافية التي تخدم مخططات التنمية، فهي التي تحدد الإطار العام والتفصيلي للعمل الثقافي للدولة، فالتركيز على ثقافة العمل والاجتهاد، والبناء، سيدفع الأفراد وبالتالي المجتمع إلى نبذ التراخي والإخلاص في العمل، والإبداع فيه، مما سنجد آثره الإيجابي على المستويين الشخصي والوطني، في ارتفاع دخل الفرد، وازدهار الدولة اقتصادياً.
الوعي الثقافي
ويرى القاص والروائي (محمد مفتاح الزروق) ” أن الاستثمار الثقافي في ليبيا فقير للغاية ويجب النهوض به، وذلك بتنظيم العديد من المناشط الثقافية المختلفة سواء في مجال الكتب كمعارض الكتب أو السينما وصناعة الأفلام وفي الفنون التشكيلية ومواقع الإعلام الاجتماعي”.
وأضاف الزروق (لوال): “وعي المواطن الثقافي هو أهم ما يعول عليه في الاستثمار في القطاع، فمن يقدر القيم الجمالية والفنية والإبداعية هو من ينفق عليها، تمامًا مثل ما يحدث في الرياضة والتي أضحت تجتذب المليارات للاستثمار فيها”. (وال – بنغازي)
تقرير: هند عيسى