– دائمًا للأديب بدايات، وللقارئ حبٌّ لمعرفتها. كيف يحدِّثنا الأديب جمعة الفاخري عن هذه الزاوية؟
-لا تختلف بداياتي عن بدايات أغلب المبدعين، فلا تكونُ سهلةً ميسَّرة، وإنما يبذل المبدعُ فيها جهدًا كبيرًا حتى يثبِّتَ قدميه على تربة صلبة تكون منطلقًا مناسبًا لمسيرته الإبداعية، الطموح والعزيمة والإصرار كانت وراء هذا التوفيق الذي كانَ بفضل الله أوَّلًا، ثمَّ بتنمية موهبتي وصقلها بالقراءة والاطلاعِ، وتقبُّلِ النقدِ، والإقبال على قراءته. أوَّل خطواتي كانت على مقاعد الدرس، ثم من خلالِ المسابقات الأدبية والثقافية على مستوى المدارس والمعاهد، ثم خلال النشر في الصحف والمجلات، والمشاركات في الأنشطة الأدبية المختلفة محلِّيًا وعربيًّا، ومن ثمَّ من خلالِ نشر أعمالي الأدبيَّة في مجموعات شعريَّة وقصصيَّة بدءًا بأول إصدار وهو (صفرٌ على شمال الحبِّ) – مجموعة قصصية، سنة 2002 عن دار البيان ببنغازي، ثم تلتها مجموعات أخرى تصل الآن إلى الثلاثين كتابًا.
-تنوَّعَ مجال الإبداع لديكم بين الشعر والقصص والدراسات، ما هو اللون الذي تجدون أنفسكم فيه أكثر؟
-أنا أفضِّلُ الشِّعرَ على كلِّ الصُّنوفِ الإبداعيَّة الأخرى، لكن بعض الموضوعات لا تعالج بالشعر، لكن بالقصة أو المقالة أو الشذرة الأدبية، فأعمد إلى ترجمتها عبرَ أحد هذه الفنونِ.
-الرواية العربية تعد بمهدها منذ أن بدأها محمد حسنين هيكل قبل حوالي قرن من الزمن، والرواية الليبية أيضا، كيف يمكننا تقييمها في ظل التنافس الواسع في مجال الرواية محليا وعربيا؟
– الرواية العربيَّة تمضي بخطواتٍ ثابتةٍ نحو المجدِ، منذ أن تحصَّل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عن روايته (أولاد حارتنا) سنة 1988م، وهي تلفت الأفهام والأقلامَ إليها، وتحقِّق النجاحات المتوالية على كلِّ الصُّعدِ. أمَّا الرواية الليبيَّة فهي قد بلغت سنَّ النضج، وغدت تبهرُ وتجذبُ وتفتنُ كما ينبغي، واُشتهرَ كتَّابُها على أوسع نطاق مثل الإبراهيميين الكوني والفقيه، ثمَّ تلتهم نجوى بن شتوان وغالية الذرعاني وقد ظفرتا بجوائز أدبيَّةٍ إقليَّمةٍ مهمَّةٍ، كما برزت أسماء أخرى كمحمد الأصفر وفاطمة الحاجي، ورزان المغربي، وعبد الله الغزال، ومحمد مفتاح الزرُّوق، ووفاء البوعيسى، وعزة رجب، وعائشة إبراهيم، وعائشة بازامة، فضلًا عن أسماءٍ مهمَّةٍ سبقتهم كتبَتِ الرِّوايَةَ بوعيٍ واقتدار كالنيهوم وإبراهيم النجمي، وخليفة حسين مصطفى، وداوود حلاق، وعبد الرسول العريبي، وصالح السنوسي وسالم الهنداوي ومحمد عقيلة العمامي، ومحمَّد المسلاتي، وأحمد الفيتوري، والصدِّيق بدوَّارة، عائشة الأصفر وإبراهيم عثمونة، وإبراهيم الإمام، وعلي جمعة اسبيِّق، وآخرين وأخريات. وما فوز رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) لمحمَّد النَّعَّاس بجائزة البوكر للرِّواية العربيَّة إلَّا دليلٌ صارخٌ على نجاحاتِ الرِّوايةِ الليبيَّةِ وأحقيَّتها بتصدُّرِ المشهدِ الروائيِّ العربيِّ، والمزاحمَةِ بسردِها الشَّائقِ، وتفاصيلِها المحليَّة المثيرة الأثيرة ذاتِ الخصوصيَّةِ الفاتنة.
-في ليبيا (وطن الفوارس): وطن الفوارس والنوارس والسنا كنَّا لك العشاق، كن أبدا لنا وطني، سكبتك في قصيدي غيمة نهرًا تجلَّى دافقًا متزيِّنا أبيات من قصيدة في حب الوطن، والشعر حالة تطابق الواقع غالبًا، وللشاعر القدرة في رسم تلك الصورة. كيف واكب الشعر الليبي الأزمات التي يعيشها الوطن؟
-لم يتخلَّ الشِّعرُ الليبيُّ ولا الشَّاعرُ الليبيُّ يومًا عن دورهما المهمِّ في الانحيازِ للوطنِ، والتعبيرِ عن قضاياه المصيرية، والاعتناء بما يحسُّهُ الإنسانُ الليبيُّ، وما يهمُّهُ من قضايا وأمورٍ تتبدَّى له يوميًّا، فتطفو على سطحِ حياته.. فكانَ الشِّعرُ الليبيُّ حاضرًا في كلِّ الأزماتِ، منافحًا عنِ الوطنِ ومواطنيه، معبِّرًا عن وجداناتهم، مصوِّرًا معاناتهم، منحازًا لهم وللوطن الأعز.
-تميزت بعض القصص لديكم بالجمع بين الواقع والخيال، ولعل قصة (دروب) كانت مثالا لذلك.
-نعم أنا أُجاوزُ بين الواقعي والتخييلي للتعبير عن رؤيتي للواقع، ورؤايَ لما سيكون، وهذه المواءمة مهمَّةٌ جدًّا لكيلا يكونَ أدبُنَا أدبًا تقريريًّا مباشرًا فجًّا يتجافى عنِ الإمتاعِ والإبداعِ والإقناعِ.
-هل يشترط ارتباط الواقع مع الخيال لنجاح العمل القصصي، أما أنه حالة فريدة تميز قاص عن آخر؟
– لا ليسَ ذلكَ شرطًا للنَّجاحِ، وكُلُّ قاصٍّ له مدارسُهُ وطرائقُ تعبيرِهِ، وأساليبُهُ الخاصَّةُ لإيصالِ أفكارِهِ، والتأثيرِ في قرَّائهِ، لذا ما يتوفَّر لدى قاصٍّ ما، قد لا يتوفَّر لدى سواه من القاصِّين.
–
عرفتم أيضا كناقد، ما الذي يمكن أن يعززه أو يحبطه النقد لدى الأديب؟
– أن لستُ ناقدًا بالمعنى الحرفي للنقد، بمعنى أنني لا أمتهنه، لكن -أحيانًا- أضطرُّ لكتابة نقدٍ لدواعي معيَّنة، وبالمجملِ النقد عمليَّة علميَّة صحيَّة جدًّا لتطوُّرِ أيِّ فنٍّ.
–ترجمت لكم العديد من النصوص الأدبية للغات مختلفة كالفارسية والفرنسية والإنجليزية. هل يسهم ذلك في نشر أفكار الأديب التي تتضمنها أعماله، ويعمل على تداخله مع ثقافات أخرى؟
-بلا شكٍّ إن ترجمة أعمال الأديب إلى لغاتِ أخرى تمكِّنُ الآخرَ من الاطلاعِ على أفكاره، وتسهم في انتشاره أبعد من رقعته المحلِّية، والترجمة هي ما ينقص الأدبَ العربيَّ لينطلق إلى العالميَّة، وهذا يحتاج إلى خطط مدروسة للترجمة تتبنَّاها الدول، وتحتضنها المؤسَّسات المعنيَّة بالثقافة والمعارف والعلوم.. لا سيَّما الأكاديميَّة والبحثيَّة منها.
-الحالة الفكرية والأدبية في ليبيا، كيف ترون واقعها ومستقبلها، وما أبرز ما يعيق أخذ فرصتها في الانتشار؟
– الحالة الفكرية والأدبية في ليبيا تتأثر بواقع الفوضى الذي تعيشه ليبيا، هذه المناخات المضطربة، والحياة غير المستقرة لا تهيِّئ للمبدع براحًا سويًّا للتفكير والإبداعِ، فنحن نعيش حالة قلق وارتباك مستمرة منذ زمنٍ طويلٍ.. والفكر يحتاجُ محضنًا هادئًا وآمنًا لينمو .. ليكون.. وهذا لشديد الأسف نفتقر إليه في بلادنا منذ أمدٍ بعيدٍ.
– الشعر، الرواية، الدراسة، ما الجديد الذي في طور الإعداد لدى الأديب جمعة الفاخري؟
-لديَّ مشروعٌ تراثيٌّ كبيرٌ يتمثَّلُ في إنجازِ سلسلة إصداراتٍ تراثيَّة تربو على العشرة مؤلفات.. أعمل الآنَ على إكمالها بوضعِ اللمسات الأخيرة عليها. فضلًا عن مجموعات شعريَّة وقصصيَّة وبعض المقالات والدراسات الأدبيَّة.
-كلمة أخيرة لحضرتكم؟
-أشكركم مزيدًا، على هذا الاحتفاء بالإبداع الليبيَّ، مؤمِّلًا لكم كلَّ التوفيق والسَّدادِ، ولوطننا الحبيبِ الأمن والسلامَ والتقدُّمَ والرقيَّ.
حاورته : سليمة حمد الخفيفي.