درنة 16 سبتمبر 2014 (وال) “حاصرت عائلتي المياه كليا، وفقدت الاتصال بهم، وأنا على مطلع درج المنزل قبل أن أتمكن من الفرار للدور العلوي والنجاة بنفسي”، هكذا قال ميد عبدالقادر عمران الشاب الأربعيني الذي نجا بأعجوبة من الفيضان الذي خلفته العاصفة المدارية التي ضربت سواحل شرق ليبيا.
وقال ميد عبدالقادر وهو الناجي الوحيد من بين أفراد أسرته الخمسة من هذه الأحداث المأساوية إن “مياه الوادي بدأت تتحرك قبل الساعة الثالثة من صباح الأحد 11 سبتمبر الجاري، وتضرب جدار المنزل الخارجي بقوة قبل أن ينفجر السد الذي يقسم الوادي ويرتفع منسوب المياه عشرات الأمتار قادما من جهة السد ومتجها للوادي جارفا كل ما هو في طريقه.
ووادي درنة الذي يقسم المدينة التي تضم 300 ألف ساكن إلى نصفين، توجد به سدين أحدهما (سد سيدي أبو منصور وسد البلاد وهو أكبرهما والأقرب جغرافياً إلى المدينة) أدى إلى غرق المدينة.
وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد، سجلت درنة وحدها عددا كبيرا من القتلى، كما أعلن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد ومصادر طبية.
وأعلنت سلطات شرق البلاد حيث تتنافس في ليبيا حكومتان آلاف الأشخاص بين قتيل وفقيد معظمهم في درنة التي أعلنت الحكومة المنبثقة عن البرلمان أنها مدينة منكوبة، وأن عمليات البحث تحت الأنقاض وفي البحر ما تزال مستمرة.
وقال ميد عبدالقادر إن العائلة كانت مجتمعة قبل أن تدخل المياه بسرعة للدور الأرضي من المنزل وأطلب تمريرهم عبر أخوتي إلى مطلع الدرج الذي يؤدي للدور العلوي، لكن المياه حازتهم في الداخل بعد انفجار السد وفراري إلى الأدوار العلوية والقفز على شجرة ومنها إلى الجبل قبل أن أفقد الوعي وأنهض بعدها وأذهب إلى أقاربي للإبلاغ عن فقدان الأسرة.
وماتزال جهود الإنقاذ جارية بمشاركة عديد الدول التي قدمت أطنان من المساعدات، حيث تنتشل الفرق الجثث التي رماها السيل في البحر بعد أن جرف كل الجسور التي تربط شرق المدينة بغربها وعددها خمسة.
ووفقا للمشاهد من عين المكان، فإن أكثر من ربع المدينة جرفته السيول كون معظم مباني المدينة كانت مبنية في مجرى الوادي الذي يمتد من السد المنهار إلى البحر.
وبني سد وادي درنة الكبير عام 1961، وتمت صيانته خلال عامي 1977 و1986. وفي المرة الأخيرة، أضيف إليه سد صغير لزيادة قوة تحمله. لكن مع مرور الوقت، تهالكت بنيته التحتية، وخصوصاً بالوعات التصريف التي من المفترض أن تسرب فائض السد.
وأزيحت مباني بأكملها مكونة من أكثر من طابق من مكانها ولم يبق حتى أثر منها على الأرض، حيث لم تبق حتى شواهد تاريخية لتلك المباني التي بات أهلها في عداد القتلى والمفقودين.
وقال نزار الهنيد وهو فنان وممثل من مدينة درنة فقد زوجته وابنيه الذين رزق بهما بعد 13 عاما من زواجه إنه “يتألم من الداخل والخارج” كونه فقد أسرته وتعرض لرضوض في مختلف أجزاء جسمه.
وأوضح أنه لحظة انطلاق العاصفة وامتلاء مجرى الوادي كان هو وولديه التوأم ينظر للمجرى لحين ارتفع منسوبه وحمل سيارته وسيارات الجيران ليفر بهما إلى البيت والصعود إلى الدور العلوي في المبنى المكون من أربعة طوابق.
وأضاف أن لحظة انفجار السد أدخلت المياه على سطح المنزل وفي لحظة فقدت أسرتي ووجدت نفسي في سطح أحد المنازل بعد أربعة شوارع من منزلي بجانب شخص مصري الجنسية وطفل ناج على قطعة تكييف خارجي، وهم يتساءلوا كيف وصلوا لهذا المكان.
وقال “هي لحظات وكان كل شيء قد انتهى بهذا المأساة والكارثة”.
وبعد نحو سبعة أيام، باتت إمكانية العثور على ناجين شبه مستحيلة، لكن الفرق ما تزال تواصل جهودها في انتشال الجثث من تحت الأنقاض.
وقال خليل بوشيحة الشاب الثلاثيني وهو على سريره في المستشفى إن “الوضع كارثي ومهما قلت لن أستطيع أن أصف ما حدث .. لقد نجوت وأسرتي بأعجوبة في بيتنا المكون من ثلاثة طوابق والذي غمرته المياه بكامله قبل أن أتمكن من الفرار.
وأضاف وهو يعتصره الألم وتدمع عيناه، “بيتنا مرتفع نسبيا .. لكن حينما انقطع الكهرباء قبل انهيار السد، ذهبت لوالدتي المسنة والمريضة في الدور الأرضي، لمحاولة إقناعها للصعود للدور العلوي لكنها أبت إلا أن يأتي أخي ويبيت ليلته معها”.
وتابع “في تلك الأثناء دخلت المياه .. وبدأت تغمر البيت وخرجت أنا والوالدة للشارع في صراخ شديد جدا من الجيران، لترمي بنا السيول في بيت مهجور يبعد عن بيتنا نحو 200 متر، ورفعت والدتي وهي لديها مشاكل صحية في رجلها إلى الدور الرابع لحين نزوح المياه”.
وقال “تركتها في ذلك المكان ورجعت وسط المياه التي وصل منسوبها لأكتافي وهي محملة بالركام، ومرت علي جثة طفل وضعتها على أحد السيارات المركونة، وتوجهت لمنزل جارتنا الوحيدة فعثرت عليها جثة طافية على المياه”.
وبشيء من الحزن قال “نجوت وأسرتي بأعجوبة لكننا فقدنا الكثير من الأهل والأقارب والجيران ونطالب الجميع الوقوف مع درنة في هذه المحنة التي لم تمر بالبلد منذ زلزال مدينة المرج في ستينيات القرن الماضي”.
وفي درنة، أصبحت المدينة كأنها مدينة أشباح رغم الكم الهائل من البشر الذين يعملون على المساعدات والإغاثة.
وفي سابع يوم من الحادثة، حيث بدأت الجثث تتحلل، حذرت السلطات الطبية من استخدام مصادر الماء في المدينة والاعتماد على تلك المعلبة تفاديا للأمراض والأوبئة، ولكون المدينة انقسمت بسبب انهيار الجسور الرابطة بين ضفتي الوادي، باتت هناك صعوبة في إيصال الماء والغذاء والملابس والأدوية لكل سكان المدينة، وبالتالي فإن الظروف الإنسانية باتت بالغة القسوة. (وال – درنة )