درنة 17 سبتمبر 2023(وال) – نامت درنة ليلة الفاجعة كعادتها منذ ما قبل الأزل مسندة رأسها وظهرها إلى الجبل ولسان حالها يقول “يا جبل ما يهزك ريح” وأقدامها راسختان في المتوسط، تحضن أهلها في أهداب جفونها، تغمرها الطمأنينة والثقة في السدين اللذين كانا منذ عقود صامدين في وجه الماء ويمنعان عنها فيضان واديها الممتد بين مرتفعات الجبل الأخضر إلى سبعين كيلومترا تقريبا.
جاء إعصار
دانيال في جوف الليل وأهل درنة نيام ليضرب قمة الجبل وتعوي رياحه الهوجاء في سفوحه محملة بجبال من السحب الركام ففُتحت أبواب السماء بماء منهمر، صمد الجبل لكن السدين خذلا درنة وأهلها واستسلما فالتقى الماء على أمر قد قدر.
وصل الإعصار ليلا إلى شرق ليبيا، وضرب بشدة قبل الفجر والناس نيام عدة مدن في منطقة الجبل الأخضر وكانت ذروة قوته المدمرة فوق مدينة درنة مخلفا قتلى وجرحى ومفقودين بالآلاف.
ولاحظ موفد وكالة الأنباء الليبية إلى درنة أن حجم الدمار الذي خلفه الإعصار لا يمكن وصفه بالكلمات ولا تستطيع نقله عدسات المصورين. لقد أتى الفيضان على ثلث المدينة الساحلية وردم سكانها تحت أنقاض بيوتهم أو ألقى بهم في البحر.
ويقول أحد الناجين من الإعصار المدمر، أحمد حسن، الذي التقاه موفد (وال) في شارع دارنس (وسط درنة) الذي طاله دمار كامل رفقة اثنين من أطفاله “نحمد الله على كل حال، لقد تعرضت مدينتنا لضربة موجعة لم أر مثلها طيلة حياتي”.
ويضيف أنه كان نائما عندما سمع صوتا قويا اتضح فيما بعد أن صوت انهيار السد القريب من المدينة في حوالي الساعة 2.30 صباحا، مؤكدا وفاة معظم جيرانه في الحي الملاصق لنادي دارنس الرياضي الذي أصبح هو الآخر أثرا بعد عين بعد أن دمرته مياه الفيضان الجارفة.
وعبر حسن – الذي كان يعتصر حزنا ووجعا على الدمار المروع الذي حل بمدينته ورحيل الكثير من جيرانه – عن الشكر لجهود الإغاثة والمساعدات التي سيرتها كل المدن الليبية إلى درنة مشيرا إلى أنه تمكن من إنقاذ 11 من أطفاله وزوجته باللجوء إلى سطح العمارة التي يسكن فيها والمكونة من أربعة طوابق.
وقال حسن الذي كان يرافقه اثنان من أصغر أبنائه إنه جاء لإلقاء نضرة وداع على شارعه وما تبقى من بيته قبل أن يشرع في رحلة نزوح لا يعرف أين ستقوده مع أسرته
ولا تزال الإحصائيات متضاربة من المصادر الرسمية في درنة حول عدد الضحايا والمفقودين جراء هذه النازلة غير المسبوقة حيث تحدث وزير الصحة في الحكومة الليبية، عثمان عبد الجليل، عن 3100 قتيل، فيما يقول الهلال الأحمر الليبي إن هناك أكثر من 6000 لقوا حتفهم في هذه الكارثة.
وفي الضاحية الغربية لدرنة وتحديدا المنطقة المجاورة لوادي الناقة يقول المواطن رمضان صالح (34 عاما) الذي نجا من السيول بعد أن ضربت بيته والبيوت المجاورة وجرفت العديد منها، إنه استيقظ على صراخ جيرانه في اللحظات الأولى لنزول السيول وأنه لم يستطع الوصول إليهم وعددهم أربعة أشخاص (أب وزوجته وابنيهما) لنجدتهم بسبب سرعة السيل وارتفاع المياه.
وأضاف أنه تمكن من الوصول إلى عائلة أخرى من جيرانه تبعد قليلا عن مجرى السيل بعد أن لجأت إلى سطح منزلها وتمكن مع بعض الجيران الناجين الآخرين من إنقاذهم.
ويتابع صالح قائلا إن السيول الهادرة من الوادي جرفت محلا للمواد الغذائية يملكه والده بالقرب من مجرى الوادي وألحقت أضرارا كبيره بالمنطقة أبرزها جسران على وادي الناقة يربطان المدينة بالطريق الساحلي وهو يشير إلينا بإصبعه.
كما التقى موفد (وال) بأحد الناجين ويدعى أحمد المسماري كان يقطن في عمارة مطلة على مجرى الوادي مكونة من خمسة طوابق وكانت شبه مدمرة يحدثنا عن مأساته وعائلته من فوق أنقاض عمارة كانت مقابلة للعمارة التي يسكنها وجرفتها المياه إلى البحر.
ويروي المسماري – وهو يتألم ويتحسر، فقدان الكثير من جيرانه في العمارات المجاورة – أنه نجا بأعجوبة هو وأسرته بعد أن لجأوا إلى السطح العلوي الذي لم تصله المياه المتدفقة من الوادي بقوة وكيف عاشوا لحظات عصيبة لن تمح من ذاكرتهم وفق تعبيره.
وأكد هذا المواطن الذي جاء لتفقد ما تبقى من عمارته أن قمع السد الخرساني اختفى في الساعات الأولى من الليل ما يعني أن منسوب المياه بلغ 10 أمتار محملا المسؤولية عن هذه الكارثة إلى المسؤولين في درنة الذين لم يقوموا بإجلاء المواطنين بعد امتلاء السد بالكامل.
وكان النائب العام الصديق الصور قد صرح لوكالة الأنباء الليبية، أمس الجمعة، بدرنة، أن النيابة العامة باشرت التحقيقات في حادثة انهيار السدين لمعرفة الأسباب.
وقال الصور إن هذه التهم لا يمكن اثباتها إلا بعد انتهاء التحقيقات التي ستحدد الوقائع وتبين أركان الجريمة وعناصرها، مشددا على أنه سيتم محاكمة من تثبت عليه التهم ولن يفلت من العقاب. (وال – درنة)