بنغازي 28 سبتمبر (وال) – تواصل الفرق المتخصصة تقديم الدعم النفسي والإجتماعي على الأرض للناجين من الإعصار الكارثي الذي ضرب مدنا في منطقة الجبل الأخضر، خاصة درنة، وخلف آلاف القتلى والمفقودين وألحق أضرارا هائلة بالبنى التحتية والمرافق والممتلكات الخاصة والعامة.
وقال أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسي، مفتاح محمد عبد العزيز، في تصريح لوكالة الأنباء الليبية، إن ما يمر به أغلب سكان المناطق التي اجتاحتها فيضانات، ومدينة درنة بالأخص، هو ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة، وهي حالة تحدث للإنسان نتيجة عدم توقع ما يحدث، وعامل المفاجأة، الأمر الذي يعرضه لمضاعفات من الجانب الفيسيولوجي، كالانفعال والخوف والقلق، مبينا أن الصدمة تأتي بسبب عجز نفسي وعدم توقع ما يحدث.
وأضاف أن الأشخاص الناجين سيتعرضون لاضطراب الوسواس القهري الذي يبدأ من الوسواس البسيط حتى تتسلط لدى المتأزم نفسيا فكرة معينة ليبدأ في المعاناة حولها وشعوره بعدم وجود قيمة للحياة.
وعن كيفية إسعاف الناجين نفسيا، قال عبد العزيز إن الإسعافات النفسية الأولية التي يجب أن يحظى بها الناجون سواء من مدينة درنة أو من باقي المدن المتضررة جراء الإعصار الذي ضرب المنطقة، ترتكز على إغاثة الافراد وتقديم الخدمات لهم واقعيا كتأمين السكن والعلاج إلى جانب دعم اقتصادي وتوفير كافة المتطلبات الحياتية الاعتيادية للتخفيف من وقع ما يمرون به، ومساعدتهم نفسيا.
وأكد أن الآثار النفسية الخطيرة، في حالات الكوارث الطبيعية، تظهر بعد مدة من وقوع الكارثة وليست فورية، مشيرا إلى أن أول ما قد يواجهه المتضررون ومن فقدوا أشخاصا من عائلاتهم، هو الاكتئاب المتفاقم الذي يدفع الفرد للانسحاب من المجتمع ومن واجباته تجاه نفسه وتجاه الآخرين وانخفاض مستوى انتاجيته وقدرته على التفاعل مع غيره.
وأوضح في سياق متصل أن التلاميذ والطلاب أيضا يتراجع مستواهم الدراسي وتظهر كثرة حالات الانتحار وحالات الذهان العقلي والانطواء والانعزال ودخولهم في دوامة استرجاع تفاصيل الحادثة.
وشدد على أن إبعاد الأفراد المتضررين عن مواقع حدوث الكارثة فترة زمنية أمر هام يساعدهم على تخطي الحالة، إلى جانب تقديم النصح الروحي خاصة للمراهقين، وتنمية الهوية الوطنية لديهم وتذكيرهم بحبهم لمدينتهم.
وأضاف المعالج النفسي، أنه تمت استشارته منذ أيام بخصوص الطلاب المتفوقين بمدينة درنة بعد تعرضهم لصدمة نفسية عنيفة جعلتهم ينسحبون من بيئة الدراسة، فاقترح ادماج هؤلاء الطلبة بمركز المتفوقين بمدينة بنغازي.
وقال في هذا الصدد إن “تغيير البيئة مهم جدا، فالدمج يساهم في الخطة العلاجية وله تأثير إيجابي كبير، كذلك يجب تكليف الطلبة أو غير الطلبة بأعمال لكي لا يشعرون بأنهم أصبحوا عالة على المجتمع”.
وفي رده على سؤال بشأن ارتباط الاكتئاب بالانتحار، أوضح عبد العزيز، أن هناك ارتباطا إحصائيا قويا، ووجود مستوى دلالة ما بين الانتحار والاكتئاب، وارتباطهما الوثيق ببعض، مبينا أنه كلما تفاقمت حالة المكتئب زادت لديه الأفكار الانتحارية وميوله اتجاه انهاء حياته، ناهيك عن تذبذب الإيمان وبالتالي فإنه من غير المستغرب في حال إهمال العوارض الأولى للاكتئاب ما بعد الصدمة، بحسب قوله، ظهور ميول انتحارية في الارجاء.
ويرى المعالج النفسي أنه لتخفيف حدة هذه الأعراض يتعين صرف علاج مضاد للاكتئاب قبل أن يتعمق الاكتئاب في نفوس الأشخاص، مضيفا أن صرف أدوية معينة يعرفها أطباء العلاج النفسي، حسب الحالة، أمر هام جدا لتخفيف هذه الأعراض التي تلعب دورا فارقا في تهدئة النفس وإعطائها شعورا بالاسترخاء، وتزيد فعالية الفرد وتخفف من احتمالية الانسحاب من الواقع المعيشي.
ودعا الأستاذ في علم النفس إلى وجوب الاستعانة بالخبرات الدولية للعلاج النفسي، واستجلاب معالجين وأطباء نفسيين لهم خبرة في هذا المجال خاصة ما يتعلق بالعلاج ما بعد الكوارث الطبيعية.
ولاحظ في ختام تصريحه أن الوضع أكبر من القدرات الليبية، مشددا على أهمية دعم الحكومة من ناحية تجسيد الواقع وتقديم إعانات واقعية من جميع النواحي سواء الصحية أو الإجتماعية أو التعليمية والترفيهية ليتجاوز سكان هذه المدن الأزمة النفسية بأقل الأضرار.
يُذكر أن إشاعات يجري تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن حالات انتحار أو محاولات للانتحار بين الناجين المتضررين إلا أن أعضاء من فرق الدعم النفسي يعملون على الأرض في مدينة درنة لتقديم العلاج النفسي للمتضررين، نفوا لوكالة الانباء الليبية، تسجيل أية حالة انتحارية حتى الآن، وأشاروا في ذات الوقت إلى تأزم الوضع النفسي للسكان، وبخاصة الأشخاص الذين فقدوا أفرادا من ذويهم. (وال بنغازي) ف و