بنغازي 29 أكتوبر 2023 (وال ) – كشف أستاذ البيئة النباتية بجامعة بنغازي، الدكتور طارق عوض المقصبي، عن الآثار البيئة التي خلفها إعصار دانيال، مشيرًا إلى أن ما فقدته الطبيعة البيئية من أشجار قد لا يمكن تعويضه مرة أخرى، مؤكدًا أن هذه المنطقة الفريدة من العالم استطاعت أن توفر بيئة حيوية لبعض النباتات التي تفاعلت مع التغير المناخي وعدلت جيناتها الوراثية لتناسب التغيرات التي طرأت على البيئة المتوسطية.
وقال المقصبي في حديث مطول خاص إلى وكالة الأنباء الليبية (وال) : إن إعصار دانيال يعتبر أقوى الأعاصير المتوسطية على الإطلاق التي ضربت اليونان وليبيا، وأنه من المتوقع أن تحدث أعاصير مشابهة له في المستقبل، لافتًا إلى أنه من الضروري العمل على حماية الأراضي الليبية من مثل هذه الكوارث البيئة.
وأكد أستاذ البيئة النباتية بجامعة بنغازي، على ضرورة الاستفادة من التجارب التاريخية للتعامل مع المتغيرات البيئية خصوصا ما حدث في العصر الروماني.
إلى تفاصيل المقابلة
(وال) إلى أي مدى يمكن أن تتعرض ليبيا بوجه خاص ومنطقة البحر المتوسط لأعاصير مشابهة لدانيال؟
الأعاصير في العادة لا توجد بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، ومكانها في المناطق الاستوائية، أو المحيط الهادي، أو الأطلسي، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية تصنف الأعاصير بناء على سرعة الرياح، ومنذ العام 1969 بدأت العواصف تشتد في حوض البحر المتوسط نتيجة المنخفضات الجوية، فسرعة الرياح عالية جدا وأول إعصار ضرب المنطقة خلف تقريبا 600 حالة وفاة، وشرد أكثر من ربع مليون مواطن، وكان مركزه المغرب.
وتابع “في السنوات اللاحقة بدأت تتكرر العواصف القوية في حوض المتوسط، وضرب في العام 82 19إعصار قوي جدا حوض البحر الأبيض المتوسط جعل العلماء يقومون بتغيير أسماء العواصف إلى أعاصير تحت اسم الأعاصير المتوسطية، ومن عام 1982 إلى 2023 سجل 37 إعصارا، تفاوتت الخسائر البشرية والمادية فيها، ولكن أسوأها على الإطلاق، هو إعصار دانيال الذي ضرب شرق ليبيا، وسبب خسائر الكبيرة في الأرواح” .
السيول جرفت (500) كيلو متر في الجبل الأخضر
ليبيا تحتاج عشرات السنيين لإعادة الغابات التي دمرها إعصار دانيال
خسائر ليبيا من النباتات النادرة جراء إعصار دانيال كبيرة
(وال) ما الأسباب الطبيعة وراء حدوث الأعاصير المتتالية في حوض البحر الأبيض المتوسط؟
السبب الرئيس في تكون الأعاصير المتوسطية هو التغير المناخي المتسارع، ويعتبر العلماء الأعاصير المتوسطية مؤشرا كبيرا لتغيير المناخ في الكرة الأرضية، وتحديدا في منطقة الشمال الأفريقي، ومنها شمال ليبيا وجنوب المتوسط، وهي منطقة تتجه للجفاف خلال 50 سنة الماضية، وكل عام يقل معدل سقوط الأمطار.
(وال) كيف أثر ذلك على منطقة الجبل الأخضر؟
هذا التغير المناخي جعل النباتات في الجبل الأخضر تتغير تركيبتها الداخلية ووظائف الأعضاء لديها، لتتأقلم مع التغير المناخي، وهذا تسبب في انخفاض أعداد النباتات مثل البطوم، والخروب، والخروع وغيرها من النباتات.
(وال) ما نسبة الأضرار التي خلفها الإعصار على البيئة وتحديدا في الغطاء النباتي بالجبل الأخضر؟
الكارثة الطبيعية التي حدثت تفاصيلها كثيرة، والسيول جرفت مساحة كبيرة من الأنواع النباتية، التي تشكل التنوع الحيوي الوراثي بمعنى أن شجرة البطوم الموجودة بمنطقة دريانه ليس نفس الشجرة البطوم الموجودة في سيسيليا، أو اليونان أو إيطاليا برغم كونها نفس النوع والجنس والفصيلة النبطية، ولكن في داخلها نوع من التغير الوراثي يسمح لها بالتأقلم مع شح المياه وارتفاع درجة الحرارة في ليبيا، ولهذا أي كمية من البطوم نفقدها من الصعب جدا تعويضها، ونحن في ليبيا بصفة عامة لا نملك هذه الأنواع من النباتات إلا في منطقة الجبل الأخضر.
(وال ) هل هناك نباتات أخرى معرضة لنفس الظروف؟
بالطبع هناك أنواع أخرى من بينها العرعار والصنوبر والسرو والبطوم والبلوط والخروب، هذه الأنواع صعب جدا تعويضها، ولو ذهبنا إلى جنوب أوروبا أو لدولة المغرب أو الجزائر نجد مناخهم أفضل نوعا ما من مناخنا، ولو استجلبت منهم هذه النباتات وزرعتها في الجبل الأخضر تجد أنه من الصعب جدا أن يحدث استقرار وتأقلم لهذه الأنواع في الجبل الأخضر مثل ما فعلت إلا النوع الموجودة لدينا من الآف السنين.
(وال) ما هي أكثر الأودية تضررا من إعصار دانيال؟
الوديان الرئيسة التي تضررت من إعصار دانيال هي وادي درنة، ووادي لاثرون، ووادي الكوف، ووادي الجريب، الذي يصب في وادي جرجار أمه، هذه الوديان الأكثر تضررا في الجبل الأخضر، وهى أكثر الأودية غزارة بالغطاء النباتي، والموضوع ليس خسارة أشجار فقط، بل خسرنا الأنواع النباتية الصغيرة الموسمية التي ضربها الإعصار في بداية الموسم، هذه الأنواع الحولية من النباتات جرفها السيل إلى البحر، فمن بين النباتات المهمة التي فقدناها عدد كبير منها نبات (الركف) واسمه العلمي (السيكلامين) ومعروف في الوطن العربي باسم (بخور مريم) والعلماء وضعوا صورتها على موسوعة النباتات الليبية، وهذا النبات لا ينبت إلا في الجبل الأخضر، ولا يوجد في أي مكان في العالم، وهو من النباتات الزهرية الدرنية، وتتميز به المنطقة.
(وال) برأيك كيف نستطيع تعويض ما خسرناه من تربة وغطاء نباتي؟
لا نستطيع القول إن كل الوديان جرفت، ولكن أغلب الأماكن التي تحتوي الأحراش والغابات داخل الوديان قد جرفتها المياه، كما جرفت أيضا الطبقة السطحية للتربة، وهذه الطبقة غنية جدا وخصبة، وطبقة التربة التي جرفت تصل إلى مترين وأكثر وتقدر المساحة التي جرفها السيل بـ 500 كيلو متر مربع وهذه المساحة مهولة جدا، وجرفت تربتها بالكامل وذلك واضح من خلال الصور الأولية للكارثة، وكمية الأشجار التي جرفها السيل كبيرة جدا، ألقيت في البحر من خلال وادي جرجار أمه ويصل طول أشجار الصنوبر إلى 22 مترا، وأشجار السرو كانت تصل إلى 27 مترا، وهذا مثبت من خلال دراسة لطلاب الماجستير بجامعة بنغازي أجريت على وادي الكوف.
(وال) كمْ نحتاج من الوقت من أجل إعادة توطين الأشجار والنباتات التي فقدناها؟
هنا نحن نتحدث عن التعاقب النباتي ويختلف من مكان لآخر على حسب الظروف التي يتم توفيرها، وفي حال بدأنا بتعويض الغابات التي خسرناها وقمنا بحماية المنطقة من الرعي الجائر، أو الحرائق ووفرنا تربة، وقمنا بزراعة البذور والنباتات هذا يسرّع في عملية التعاقب النباتي، ومع هذا نحتاج إلى عشرات السنين وليس أقل من عقدين من الزمن لاسترجاع الغابة، وإذا لم تكن الظروف ملائمة فالوقت يستغرق أكثر من ذلك بكثير.
وهناك من يقول: إن هذه الغابات لن ترجع كما كانت، وهذا وارد لأننا لا نعرف كيف ستكون الأحوال الجوية في السنوات المقبلة، وعلماء المناخ يقولون: إن إعصار دانيال ليس الأخير.
(وال) ما هي الطريقة التي يمكن من خلالها الحد من أضرار التغير البيئي؟
هناك أشياء يمكن أن تحد من الكارثة، لو نظرنا إلى مدينة طلميثة، أو قندولة تنتشر فيها سدود يسمونها السدود التعويقية، ومنها مازالت آثاره موجودة من أيام الرومان وبعضها أقيم في نهاية ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي، وهذه سدود صغيرة في مجرى الوادي، وتؤدي وظيفتين أولها تعيق حركة المياه، وتحجز الماء ولو بكميات قليلة، وثانيها تزيد من كمية المياه الجوفية وهذه السدود تقلل من جريان الماء السلبي على الغطاء النباتي.
(وال) ما الذي يميز غابات الجبل الأخضر عن غيرها من الغابات الطبيعية ؟
منطقة الجبل الأخضر من ناحية الغابات منطقة غنية جدا، ولا أستطيع مقارنتها بالمناطق الاستوائية أو المعتدلة في أوروبا وفيها أنواع نباتية، لا توجد بمناطق أخرى في العالم وميزة هذه النباتات هي تأقلمها مع منطقة الجبل الأخضر، ونحن نحاول الحفاظ على هذه الأنواع الأصيلة المتوطنة بالجبل، والحفاظ عليها إنجاز كبير وللأسف هناك من يعتبر الحفاظ على النباتات نوعا من الرفاهية وهذا غير صحيح. (وال – بنغازي) حوره : هدى العبدلي