طرابلس 31 أكتوبر2023 (وال) – أصدرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا تقريرا مُوجزا عن أوضاع النزلاء بمُؤسسات الإصلاح والتأهيل التابعة لوزارة العدل ، وما تم رصده من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسٌان بالسُجون خلال العام الجاري 2023.
يأتي ذلك انطلاقًا من الدور الأساسي للجنة وأهدافها التي تسعى إلى تحقيقها ، والتي من بينها التصدي لأي انتهاكات لحقوق السجناء والموقوفين “النزلاء” بمؤسسات الإصلاح والتأهيل، وتحديدًا حق التواصل مع محاميهم وأهلهم وذويهم، وحق الرعاية الصحية والتغذية الصحية وضمانات حق التقاضي، والحقوق التي يتمتع بها ذوو السجناء، وغيرها من الحقوق الواجب الالتزام بها في هذه المؤسسات الإصلاحية، طبقاً لما نص عليه البند رقم 5 لسنة 2005 بشأن مؤسسات الإصلاح والتأهيل وتعديلاته، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومقتضيات الصكوك الدولية في هذا الشأن.
وقد قام فريق تقصي الحقائق والرصد والتوثيق وقسم شؤون السجناء والموقوفين باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا بعدة زيارات تفقدية ميدانية شملت عددٍا من مؤسسات الإصلاح والتأهيل خلال العام الجاري 2023 لتقييم أوضاع هذه المؤسسات الإصلاحية وأوضاع النزلاء والسجناء، وما مدى التزامهم بالتشريعات ذات الصلة بالعمل المنوط بهم، والتحقق من الأوضاع القانونية والصحية للنزلاء، ورصد أية تجاوزات طالتهم، والوقوف على مدى الاستجابة إلى القواعد الوطنية والدولية الضامنة لحقوقهم.
وسجل فريق تقصي الحقائق عددا من الملاحظات هي، رفض منح الأذونات والتصاريح للمنظمات والمؤسسات الحقوقية والقانونية والمدافعين عن حقوق الإنسان لزيارة السجون ” مؤسسات الإصلاح والتأهيل”، وغياب آليات إصلاح ومعالجة أنظمة مؤسسات الإصلاح والتأهيل، بما في ذلك ترسيخ مفهوم شفافية عمل هذه المؤسسات، وضمان خضوع القائمين عليها للمساءلة الإدارية والجنائية، وعدم إحراز أي تقدم في مسار إصلاح وتطوير نظام السجون ومرافق الاحتجاز التابعة لوزارة العدل وتأهيل وتدريب العاملين بها، بما يُسهم في تحسين أوضاع هذه المؤسسات.
إضافة إلى تردي الأوضاع الإنسانية والصحية للموقوفين والسجناء بمؤسسات الإصلاح والتأهيل جراء سُوء التغذية وعدم توفير الإعاشة الصحية والغذاء الصحي برُغم من المبالغ المالية الضخمة التي رُصدت وصُرفت لعُقود الإعاشة الخاصة بالسجون خلال عامي 2022 و2023 ، فضلا عن سُوء الخدمات الصحية والطبية المقدمة لهم، وعدم تحسين وتطوير أوضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل من خلال الصيانات الدورية حيث تُصنف أغلب مؤسسات الإصلاح والتأهيل بأنها غير مؤهلة ومهيأة وغير صالحة لإيواء وبنيتها التحتية متهالكة، وعدم معالجة أزمة الاكتظاظ بالسجون، بالإضافة إلى عدم تمكين السجناء والموقوفين من استكمال دراستهم، وعدم توفير الرعاية الصحية الكاملة والأدوية للسجناء والموقوفين ما أدى لانتشار العديد من الأمراض المُعدية لدي السجناء، ومن بينها ” الجرب وضيق التنفس “.
وسجل قام فريق تقصي الحقائق والرصد والتوثيق وقسم شؤون السجناء والموقوفين باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أيضا ، استمرار عدم الالتزام بعرض السجناء والموقوفين على النيابات والمحاكم وفقًا للمدد الزمنية المُحددة في أوامر التمديد الصادرة عن النيابة العامة بالإضافة إلى عدم الالتزام بالأوامر والأحكام القضائية القاضية بالإفراج عن السجناء والموقوفين بهذه المؤسسات، وعدم قيام الوزارة بإخضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل بشكل فعلي لسُلطة الوزارة والامتثال والالتزام الكامل بالأوامر والأحكام القضائية، وحرمان السجناء والموقوفين لفترات طويلة من الزيارات والتواصل والاتصال بأهلهم وذويهم ومحاميهم.
أيضا هناك شُح في الإمكانيات المادية اللازمة لتسيير عمل مؤسسات الإصلاح والتأهيل، وعلى الأخص نقص وسائل النقل المصممة لغرض نقل النزلاء إلى السلطة القضائية، وافتقاد فضاء العيش في أغلب المؤسسات لمعايير الإيواء الملائمة نتيجة الاكتظاظ، وانتفاء تفعيل قواعد تصنيف النزلاء، وارتفاع نسبة المخاطر الصحية جراء ظروف الإقامة غير المناسبة.
واستمرار التأخير في تجهيز دُور الأحداث الخاصة بالموقوفين والسجناء من القُصر والأحداث. وتدني مستوى الإعاشة والتموين للسجناء والموقوفين بمؤسسات الإصلاح والتأهيل، بالإضافة إلى منع أهالي وذوي السجناء من إحضار المواد الغذائية والتموين، والفرض على السجناء والموقوفين بهذه المؤسسات شراء الأغذية من محلات تجارية أنشأها مدراء المؤسسات الإصلاحية وبأسعار مبالغ فيها.
كما أن هناك عدم التزام بالضوابط الخاصة بحق الإفراج الصحي المكفول للسجناء والموقوفين المصابين بأمراض مستعصية، والمنصوص عليها في القانون رقم (5) لسنة 2005 واقتصرت قرارات الإفراج الصحي على عددًا من السجناء السياسيين فقط.
ورصد تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، النقص الحاد في التموين المقدم للنزلاء في بعض مؤسسات الإصلاح والتأهيل وآلية توريده للمؤسسات. والمبالغة في أسعار المواد التموينية الموردة من قبل الشركات المتعاقد معها. وضعف إجراءات إعادة تأهيل السجناء ببرنامج تدريبي داخل بعض مؤسسات الإصلاح والتأهيل، وعدم الاهتمام بها ودعمها بالاحتياجات اللازمة.
إضافة إلى ضعف البرامج الثقافية والدينية بمؤسسات الإصلاح والتأهيل. والقصور في توفير أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في مؤسسات الإصلاح لتأهيل النزلاء وإعادة دمجهم في المجتمع. وتدني مستوى الرعاية الصحية داخل مؤسسات الإصلاح والتأهيل، ونقص الأدوية والعناصر الطبية والطبية المساعدة. وانعدام وقصور الخدمات الطبية والرعاية الصحية الواجبة للسجناء والموقوفين بمؤسسات الإصلاح والتأهيل.
كما أشار التقرير إلى القصور في تنفيذ أحكام قانون مؤسسات الإصلاح والتأهيل المتعلقة بتوفير المياه الصالحة للشرب، وجودة دورات المياه، وتصنيف النزلاء وتشغيلهم ومنحهم الإجازات، وتوفير الرعاية الصحية لهم، فقد تبين تشغيل نزلاء بالمخالفة ومنحهم إجازات في غير الأحوال المنصوص عليها، أفضت إلى هروب نزلاء أغلبهم من المدانين عن جرائم خطيرة، وسوء حالة أغلب المصحات الخاصة بالمؤسسات لأنها غير مؤهلة لتقديم الرعاية الصحية للنزلاء، لافتقارها إلى العناصر الطبية والطبية المساعدة والأدوية، مما أطر أهالي وذوي السجناء والموقوفين إلى القيام بحجز في مصحات خاصة لتقديم الرعاية الصحية والطبية لابنائهم الموجودين بهذه المؤسسات. كما أن هناك قصور وضعف في تنفيذ الأحكام والأمور القضائية وأوامر النيابة العامة.
وحملت اللجنــة الوطنيــة لحقـوق الإنسـان بليـبيـا، وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية المسؤولية القانونية الكاملة حيال ما سبق ذكره في محتوى التقرير من سُوء وتردي أوضاع السجناء والموقوفين بمؤسسات الإصلاح والتأهيل، وكذلك حيال ما ذُكر من مخالفات وتجاوزات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تُرتكب بحق السجناء والموقوفين بهذه المؤسسات، وأيضاً حيال عدم الامتثال للأوامر والأحكام القضائية القاضية بالإفراج عن السجناء والموقوفين ممن انتهت مُدة محكوميتهم أو ممن صدرت بحقهم أوامر بالإفراج من قبل النيابة العامة، ولم يتم تنفيذها من قبل مُدراء مؤسسات الإصلاح والتأهيل التابعة لجهاز الشرطة القضائية التابع لوزارة العدل.
كما تُطالب اللجنــة، قسم التفتيش على السجون بمكتب النائب العام وهيئة الرقابة الإدارية، بالعمل على إلزام وزارة العدل وجهاز الشرطة القضائية القيام بمهامهم المُناطه بهم، من خلال تحسين ومعالجة أوضاع السجناء والموقوفين بمؤسسات الإصلاح والتأهيل الصحية والطبية والتغذية بشكلٍ عاجل، وضمان حق الرعاية الصحية الكاملة لهم، وإصلاح ومعالجة أوضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل وتطويرها بما يتوافق مع المعايير الوطنية المقررة طبقاً لما نص عليه القانون رقم ( 5 لسنة 2005) بشأن مؤسسات الإصلاح والتأهيل وتعديلاته، وأيضا بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأضاف تقرير اللجنــة الوطنيــة لحقـوق الإنسـان بليـبيـا ، إنه بالنظر إلى فشل وزارة العدل في حسن إدارة ومتابعة أوضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل والسجناء والموقوفين بها، وعدم العمل على تسوية ومعالجة أوضاع هذه المؤسسات والسجناء بها بما يُسهم تحسين حالتها، وتجاهل كل التوصيات الرامية إلى ضمان تحسين أوضاع هذه المُؤسسات بما يضمن التزام السُلطات الليبية بالمعايير الدولية والضمانات الدستورية والقانونية والحقوقية المتعلقة بحقوق الإنسّان وحقوق السجناء، فإن اللجنــة ، تدعو النـَائب العَام إلى إخضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل لاشرافه المباشر والإشراف على إصلاح ومعالجة أوضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل، بشكلٍ كامل، بما يُسهم في تعزز من الاستجابة للمعايير الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، بما في ذلك المعايير الخاصة بمؤسسات الإصلاح والتأهيل ونزلائها ، وبما يكفل الالتزام في تسييرها على وفق التشريعات الناظمة لعملها وإدارتها، و مقتضيات الصكوك الدولية المُصادق عليها من طرف دولة ليبيا في هذا الصدد .
كما تُطالب اللجنــة ، النائب العام بفتح تحقيق شامل حيال القُصور والإهمال في أداء الواجب من جانب وزيرة العدل ورئيس جهاز الشرطة القضائية، وما ترتب عليه من سُوء وتردى غير مسبوق لأوضاع السجناء والموقوفين بمؤسسات الإصلاح والتأهيل السابق ذكرها في محتوى التقرير السنوي، وهو ما يُشكل أضراراً بالمصلحة العامة، بالإضافة إلى التحقيق بشكلٍ شامل إزاء ما آلت إليه أوضاع مؤسسات الإصلاح والتأهيل من تردي وسُوء أوضاع السجناء والموقوفين الإنسانية والصحية والتغذية، بمؤسسات “جندوبة ، عين زارة الرويمي، زليتن، جودايم، مليته، سبها، سرت، طبرق، قرنادة “، بالإضافة إلى التحقيق في الانتهاكات والمُخالفات العديدة التي تُرتكب بهذه المؤسسات، والتي على رأسها عدم الامتثال والتنفيذ لأوامر والأحكام القضائية والحرمان من حق الرعاية الصحية والطبية وسوء التغذية، وانتشار الأمراض المُعدية فيما بين السجناء، والاستغلال للسجناء والموقوفين . (وال – طرابلس)