الجبل الأخضر 05 نوفمبر 2023 (وال) – طالت الأضرار التي سببها إعصار (دانيال) الذي ضرب منطقة الجبل الأخضر في شرق البلاد في سبتمبر الماضي مختلف القطاعات وبخاصة قطاعات التعليم والصحة والزراعة والمواصلات وكافة البنى التحتية الهشة أصلا بشكل عام.
وخلف هذا الإعصار بحسب الإحصائيات الرسمية آلاف القتلى والمصابين والمفقودين في عموم منطقة الجبل الأخضر إلا أن أكبر الخسائر البشرية والمادية سُجلت في مدينة درنة جراء انهيار سدي المدينة تحت ضغط السيول غير المسبوقة.
وكان قطاع الزراعة من بين القطاعات الأكثر تضررا حيث جرفت السيول التربة وغمرت المياه مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ملحقة فادح الضرر بالأشجار المثمرة والمساحات الخضراء والحياة النباتية.
وتتميز منطقة الجبل الأخضر بإنتاج وفير للعسل وهي مشهورة بإنتاج أنواع عدة منها عسل (الحنون) المميز والذي لا يوجد إلا في ليبيا وقد تسببت السيول المصاحبة للإعصار في تدمير خلايا النحل التي تم جرف معظمها بالكامل، ما كبد مربي النحل في هذه المنطقة خسائر مادية كبيرة.
وقال رئيس نقابة مربي النحل في المنطقة الشرقية ومؤسس جمعية الأمل للعسل المهندس عبد السلام عبد الهادي في حديث لصحيفة الأنباء الليبية (وال) إن مناحل المدن الشرقية تضررت بشكل كبير بسبب إعصار دانيال، واصفا ما حدث بالأمر الكارثي على قطاع تربية النحل، وعلى الغطاء النباتي للجبل الأخضر.
وأضاف عبد الهادي أن النحالين في كل مدن الجبل الأخضر تعرضوا لخسائر كبيرة، مبينا انه على مستوى مدينة شحات وحدها بلغ عدد المتضررين الذين تم تسجيلهم 38 نحالا فقدوا 815 خلية نحل جرفتها السيول بشكل كامل.
وأوضح أن مواقع خلايا النحل المتضررة تركزت في النطاق الجغرافي الممتد من القبة شرقا حتى البيضاء غربا، حيث كانت العديد من المناطق تحتوي على خلايا نحل عديدة منها، سطية، وعنبسة، وأودية سوسة بالكامل، ومنطقة الصفصاف ومنطقة ترك، والعرقوب، ورأس التراب، والمنصورة.
وأضاف أن عدد النحالين المتضررين في الجبل الأخضر بلغ 87 مربي نحل وعدد الخلايا النحلية التي جُرفت بالكامل حوالي 2490 خلية، حيث وصلت هذه السيول لأماكن اعتبرها النحالون آمنة ومرتفعة جدا عن المياه وبعيدة عن مجرى السيول ومجرى الرياح أيضا، ولكنها لم تسلم من تداعيات هذه العاصفة الكارثية التي كانت مصحوبة بكميات هائلة من المياه.
وناشد المهندس عبد السلام عبد الهادي، الجهات المسؤولة ووزارة الزراعة تحديدا بضرورة الحفاظ على ما تبقى من الغطاء النباتي للجبل الأخضر والذي يعد العامل الرئيسي الأول في جودة منتج العسل المحلي.
وقال إن ما يميز العسل المحلي خاصة في المنطقة الشرقية هو توفر الجبل الأخضر على غطاء نباتي متعدد الأشجار والنباتات النادرة، ما يعطي جودة عالية للعسل مثل عسل الحنون الذي يعتبر من أكثر أنواع العسل ندرة، لافتا إلى أنه من أجل تصديره يجب أن تتوفر فيه مواصفات معينة حيث توجد أجهزة خاصة لقياسه للحفاظ على جودته وأن يكون خال من التلوث.
وأوضح رئيس نقابة مربي النحل في المنطقة الشرقية أن من أهم الأسباب التي تجعل عسل الجبل الأخضر يتمتع بمواصفات عالية، وجود نبتة “الشمارى” وثمرتها التي تعرف “بالعنجور” حيث يُخرج النحل الذي يرعى في هذه البيئة عسلا يسمى الحنون الذي لا يُوجد إلا في ليبيا، مبينا أن هذه النبتة تتعرض للرعي الجائر ولعدة عوامل أخرى تهددها، وكذلك وجود شجرة الخروب التي تعتبر من الأشجار المهددة بالانقراض، داعيا في هذا الصدد إلى ضرورة أن تحافظ الدولة على مثل هذه النباتات بأماكن محمية.
واستطرد عبد الهادي أنه رغم الكارثة المروعة التي حلت بالمنطقة إلا أن هناك جانبا إيجابيا تأتى من غزارة الأمطار حيث تعرضت بعض النباتات للإغراق بالمياه لساعات طويلة وهو أمر لم يحصل منذ سنوات ما سيساهم بشكل كبير في نمو بعض النباتات بشكل وفير قد نشهده لأول مرة.
وفي رده على سؤال حول فوائد العسل وتصنيفاته، قال مؤسس جمعية الأمل للعسل إن “كل أنواع العسل غذاء ثمين وصحي ومفيد” مشيرا إلى وجود تصنيف لهذه الأنواع منها (السدر) وهو من أفضل الأنواع ويساعد في علاج أمراض المعدة، وعسل (الربيع) الذي يعد نوعا مميزا كون النحلة تحصل عليه من رحيق مئات الأنواع من الزهور والنباتات، وعسل (الشبرو) الذي يعد معالجا فعالا لنقص الحديد في الدم والقولون، وعسل (المنً) ذو القوام والمذاق المميز والناتج عن نبتة من إحدى أنواع النباتات المهددة بالانقراض وهي (العرعار)، وعسل (الزعتر) الذي يعد فعالا لعلاج أعراض البرد والجهاز التنفسي، وعسل “(الكافور) الذي يعد فعالا لعلاج الحروق.
وقال إن مربي النحل يحتاجون لدعم كبير من الدولة لمواجهة الخسائر التي سببها الإعصار، مشددا على ضرورة تعويضهم ماديا للمساهمة في مساعدتهم على تقسيم الخلايا الموجودة لديهم وشراء خلايا أخرى ونحل ومعدات كالمبخار، واللباس الواقي والصناديق الخاصة للنحل، بالإضافة لتوفير الجانب العلاجي للنحل وتوفير أنواع أدوية غير متوفرة محليا.
وأكد أن المعضلة الكبيرة التي تواجه المربيين هي في فصل الشتاء حيث لا تستطيع النحلة الخروج للحصول على الغذاء، ويلتزم المربي بتغذيتها بنفسه الأمر الذي يكلفه ماديًا إذ تحتاج النحلة لغذاء معين وأدوية مضمونة لا تتسبب في ضرر لقيمة العسل، مشيرًا إلى أن النحل يصاب بعدوى من حشرة معينة دقيقة الحجم تقوم بمهاجمتها وتتغذى على دمه حتى تؤدي لهلاكه.
وعن وجود جهات رقابية على المناحل قال المهندس عبد السلام عبد الهادي: لا توجد رقابة تحمى المستهلك من الغش التجاري والتلاعب في تجارة العسل، هذا الأمر يعتمد على المربي ومدى مصداقيته، غير أنه قال إن “حالات غش العسل لدينا قليلة جدا”.
وفي رده على سؤال كيف يتم تجنب شراء عسل مغشوش، نصح عبد الهادي بالابتعاد عن الجهات ذات المصدر غير المعروف والتعامل مع التجار المعروفين وكذلك الابتعاد عن شراء العسل المعروض على قارعة الطرق لأن طريقة العرض تضر بجودة العسل فهو حساس جدا للضوء وفي حال تعرضه للضوء والحرارة يفقد الكثير من فوائده.
وأشار في هذا الصدد إلى بعض المعلومات المغلوطة عن العسل المغشوش، منها أنه لا يوجد علاقة بين قوام العسل واللون الخاص به وكونه مغشوشا أو أن العسل المتبلور غالبا مغشوشا، لافتا إلى أن أحد العوامل الطبيعية للعسل الأصلي هو تبلوره.
وحول الإنتاج المحلي للعسل، أوضح رئيس نقابة النحالين أن الإنتاج المحلي يعد جيدا، غير أنه أشار إلى وجود أسباب تتحكم أحيانا في الإنتاج وهي أسباب موسمية متعلقة بكميات الأمطار. وقال “في حال وجود أمطار غزيرة ولا يوجد ضرر للنباتات يكون الإنتاج في هذا الموسم عال”، مؤكدا أن الإنتاج بشكل دائم للعسل بمدن الشرق الليبي خاصة في جمعية الأمل بمدينة شحات مناسب ويغطي السوق محليًا، ويفتح باب التصدير.
وانتقد المهندس عبد السلام عبد الهادي عدم وجود جهات رسمية مسؤولة عن تصدير العسل، مؤكدا أن التصدير أصبح معقدًا جدًا لعدم وجود أجهزة متطورة لفحص وتحليل أنواع العسل تؤكد تطابق المواصفات العالمية التي تتوافر بالفعل في منتجاتنا ، لافتا إلى أن هذه الأجهزة الحساسة الخاصة بفحص العسل تتولى التأكد من قوامه وجودته ومن عدم احتوائه على أي نوع من أنواع التلوث، كما أن أجهزة التحليل تساهم في الحفاظ على جودة العسل وتجعل مربي النحل ملتزمين أكثر في تغذية النحل لكي يخلو العسل المفحوص من المبيدات والأدوية المعالجة للنحل. مؤكدا أن الاهتمام بتصدير العسل سيساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي أولا، ويساعد المربين على بيع منتجاتهم.
وفي رده على سؤال حول الكوادر القائمة على هذه المهنة، قال مؤسس جمعية الأمل للعسل: “لدينا مربيين على مستوى عال من المهارة والخبرة، بالإضافة لجودة العسل الليبي الذي تم تصنيفه في فترة السبعينات من قبل خبراء في الخارج بأنه عال في القيمة الغذائية، لكن ينقصنا فقد الدعم من الجهات المسؤولة”.
وأشار إلى دور النقابة والجمعيات المتخصصة في تربية النحل في توفير جميع المعدات الخاصة للمربين وتذليل صعوبات عملهم، إلى جانب دورها في تخصيص عدة دورات تدريبية في مجالات تربية النحل والعناية به، بالإضافة إلى استيراد معدات من الخارج وتوفير علاج النحل الذي يعد نقطة فارقة في التربية.
وبخصوص جهاز تطوير وتربية النحل على مستوى ليبيا والذي كان قائما ومشرفا في مجال تربية النحل قال: “نحن الآن بصدد تفعيله من جديد بعد توقفه لسنوات، ولابد أن يكون هناك مؤسسة تربط النقابة وتطورات مجال تربية النحل مع العالم الخارجي”.
واكد أن هذا الجهاز نظم في السابق دورات عديدة أهمها عن كيفية تربية الملكات، على يدي خبراء أوروبيين لتحسين الجينات الوراثية للنحل وتوفير العلاج غير المتوافر في البلاد ، داعيا إلى ضرورة التجديد والتطور الدائم في مجال تربية النحل، حيث سيكون هذا الجهاز بعد انطلاقه المسؤول عن تقييم جودة العسل وتصديره بعد التأكد من كونه يتمتع بمواصفات نادرة ويكون دوره مكملا لعمل النقابة.
ووجه رئيس نقابة مربي النحل في المنطقة الشرقية المهندس عبد السلام عبد الهادي في ختام حديثه نصيحة إلى المواطنين بتناول العسل يوميا وليس فقط عند المرض لما يحتويه من فوائد عظيمة خاصة في رفع نسبة المناعة.
في ذات السياق، أكد مربي النحل من منطقة طلميثة حاتم إدريس، في تصريح لصحيفة الأنباء الليبية، تعرض العديد من نحالي المنطقة لخسائر فادحة نتيجة السيول، مشيرا إلى أن عدد الخلايا التي جرفتها السيول بشكل كامل بلغ حوالي 120 خلية، وأن خلايا أخرى شهدت موت النحل داخلها بشكل كامل ما كبد النحالين خسائر مادية كبيرة أدت إلى ارتفاع أسعار العسل محليا.
وأوضح إدريس أن دور الطبيعة الجبلية وغزاة الأمطار في المنطقة يساهم بشكل كبير في رفع نسبة جودة المراعي خاصة في فصل الربيع وهذا ما يميز العسل بالمنطقة الشرقية، ويساعد على زيادة نسبة الإنتاج المحلي.
وأشار إدريس إلى أن تراجع دعم الجهات المسؤولة يثقل كاهل مربي النحل من ناحية التكاليف الباهظة التي يتحملونها بشكل شخصي، مشددا على ضرورة أن يكون هناك دعم من الجمعيات المتخصصة في تربية النحل التي تستمد دعمها من الجهات الحكومية.
وأكد أن الكثير من مربي النحل في منطقة طلميثة فقدوا مناحلهم التي كانت في مجرى السيول وتم جرفها بالكامل. (وال – الجبل الأخضر) تقرير / فاطمة المبروك