بنغازي 18 نوفمبر 2023 (الأنباء الليبية) – تستقبل منطقة كركورة، الواقعة غرب مدينة بنغازي مجموعة هائلة من الطيور النادرة سنويا مع بداية فصل الخريف، حيث تبدأ الطيور الجارحة بالهبوط قرب السواحل الليبية، وهو ما يجعلها قبلة لمحبي وراغبي صيد الطيور.
وفي هذا السياق، قال الصياد محمد عبد الكريم الرعيدي: إنه تمكن قبل شهر من صيد أحد أغلى فصائل الطيور الجارحة في العالم.
وأضاف في تصريحات لصحيفة الأنباء الليبية، أن مهنتهم تعرف باسم ” الرماك” والتي تعني صيد الطيور الحرة.
ورث المهنة
وأوضح أن الطائر الذي اصطاده يطلق عليها الصيادون ” البحرية”، مشيرا إلى أنه ورث هذه المهنة عن والده الذي ورثها هو الآخر عن أبيه، الراحل ” فرج الرعيدي” أحد أقدم صيادي الطيور الجارحة في البلاد.
وأشار إلى أن موسم الصيد يبدأ عادة في شهر أغسطس أي قبل دخول فصل الخريف بحوالي شهر، حيث تبدأ فعليا عمليات الاستعداد لبدء الصيد، وتدخل بعض أنواع الطيور منها “بوشراقة”، و”السمان” وغيرها.
كيفية صيد الجوارح
وأضاف الرعيدي أن عملية الصيد لا تعد حرفة أو عملا بل هي بالدرجة الأولى هواية توارثتها عائلته منذ سنوات طويلة، مؤكدا أنها تعتمد بدرجة كبيرة على مهارات وحيل متعددة حيث تشبه إلى حد ما عملية الصيد البحري، إلا أن الأدوات قد تختلف.
وتابع قائلا: “يستعمل الصيادون في هذه العملية المعقدة أداة تسمى ” السلب” والذي يوضع على ظهر ” الحمامة” ومن ثم توضع في الأرض السبخية، التي من الضروري أن تمر عليها الطيور بعد وصولها الى الساحل بعد رحلة طويلة قطعتها فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، حيث تصل الطيور وهي جائعة ويكون أول هدف لها الحصول على الطعام لاستكمال خط سيرها نحو أفريقيا وغاباتها”.
وأضاف أن غالبية الطيور تهبط في منطقة كركورة، التي تبعد حوالي 90 كيلو مترا غرب بنغازي، حيث تهبط في الساحل الليبي قادمة من أوروبا في طريقها إلى المناطق الحارة بحثا عن الدفء والتزاوج.
استخدام الطيور في الصيد
وفي سياق متصل قال الرعيدي: إنهم في بعض الأحيان يستخدمون أحد الطيور لصيد طائر آخر، كأن يستخدم طائر يسمى ” بوشراقة” والذي يمتاز بالتحليق لمستويات عالية، وتوضع له أداة صيد لجذب الطيور تسمى “اللفة” كما يستعمل الصيادون طير “السمان” أيضا لهذه العملية.
أشهر أسماء الطيور
وتطرق الرعيدي لبعض المعلومات الشائعة عن الطيور، والتي حسب وصفه خاطئة ومنها تسمية أو تشبيه الرجل عند مدحه بالصقر، لافتا إلى أن الصقر هو أنثى وهو أحد فصائل الطيور الجارحة ويطلق على ذكره (الزغزغي).
وأضاف أن من أنواع الطيور الجارحة أيضا (البحرية) وهي أثمن وأغلى أنواع الطيور الحرة، لما لها من مميزات كالقوة في ضربة المخلب والسرعة العالية، والنظر الحاد، ويطلق على ذكرها (الطرشون) ويكون سعره أقل بكثير من ثمن الأنثى.
وبحسب الرعيدي تتنوع فصيلة (البحرية) فيوجد منها أنواع متعددة منها ” اعراقية، حرة، سرير” وغيرها من المصطلحات التي تختلف باختلاف أعمارها، وأشكالها.
وأوضح أن هذه الاختلافات يعرفها ويحددها ذوو الخبرة من قدامى الصيادين، وكذلك عبر فحص ريشها وأجنحتها وشكلها، ولونها.
وألمح إلى أن من بين أنواع الطيور الشهيرة “الشاهين السلوى، والحديقة، والعقاب، والقرناص”، ولكن ليس لهذه الطيور قيمة كبيرة مقارنة بالبحرية.
رحلة العودة
ولفت الرعيدي إلى أن هجرة الطيور، تنقسم إلى مرحلتين: وهما الذهاب والإياب، لافتا إلى أن هذه الطيور تعود بعد عام إلى أماكنها التي جاءت منها، ولكن تختلف تماما في الشكل مما لا يجعل لها قيمة كبيرة حيث تتحول هذه الطيور الى “شواهين” أي بعد تبدل ريشها وتغير شكلها تصبح أقل أهمية.
الأسواق والمزادات
وعن شكل الأسواق والمزادات التي تعقد لتجارة وبيع الطيور، قال الرعيدي: إنه قبل حوالي عقدين من الزمن لم يكن هناك أسواق ومزادات كثيرة لبيع وشراء هذه الطيور، ولم يكن يوجد إلا مزاد يعقد في منزل جده، إضافة الى مزاد أو سوق يعقد في منازل أحد قدامى الصيادين في مدينة إجدابيا.
ولفت إلى أنه كان يوجد سوق آخر يعقد في مدينة سرت وآخر بمصراتة، ويتم ذلك بالحضور الشخصي أو بالهاتف.
وقال الرعيدي: إنه في السنوات الأخيرة اختلف الأمر، وكثرت الأسواق حيث أصبحت تعقد على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، عن طريق البث المباشر ويبدأ التجار في عملية المزايدة حتى تتوقف عند آخر وأكبر قيمة تُقدم لقاء الطير المعروض بالمزاد.
أحجام الطيور وعلاقة ذلك بأسعارها
يشير الرعيدي إلى أمر مهم وهو مكيال الطير، أي طوله وعرضه ووزنه وعلاقة ذلك بسعره، مؤكدا أن هواة اقتناء الطيور الجارحة يفضلون الطائر الذي يبلغ مكياله 16 *16 أي طوله 16 سنتيمترا وكذلك عرضه.
وأكد أن الطائر بهذه المواصفات يبلغ ثمنه مليون دينار ليبي، أي ما يعادل “200 ألف و689” دولارا أمريكا، مشيرا إلى أن العثور على طائر بهذه المواصفات صعب للغاية.
خطوط الطيران
وكشف الرعيدي أن خطوط طيران الطيور الجارحة ليست عشوائية، بل لها نسق منظم، لكنها تراعي عادة التغيرات المناخية، وتغير بعض مساراتها تبعا للعواصف والرياح، والتقلبات الجوية.
وأكد أن الطيور تلجأ للطرق الأكثر أمانا حتى لو كانت أبعد في المسافة، مشيرا إلى أن ذلك ظهر في اقتراب الطيور من مدينة طبرق، الذي كان لها نصيب كبير في عمليات العبور.
أعمار الجوارح
ونسب الرعيدي طول أعمار هذه الطيور إلى تهيئة المناخ الملائم لها عن طريق إطعامها والاعتناء بها، وعرضها على الطبيب البيطري في حال تعرضها لمرض.
وقال: إن أحد الطيور الذي اقتناه جده وهو ما يعرف بطير “القرناس” عاش لفترة طويلة مع جده حيث رافقه في رحلات صيده لأكثر من “15” عاما وفارق الحياة بعد وفاة صاحبه بأسبوع. (الأنباء الليبية – بنغازي) تقرير / عبد السلام المشيطي