طرابلس 27 فبراير 2024 (الأنباء الليبية) -وجه المصرف المركزي رسالة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، طالبه فيها بضرورة ضبط الإنفاق العام للبلاد، وضرورة إعداد ميزانية موحدة للدولة، وإلا سيتعرض الاقتصاد الوطني لهزات كبيرة خلال الفترة المقبلة.
وذكر المصرف في الرسالة الموجهة للدبيبة “إن كلمتكم في الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير، تضمنت نقاطا تتعلق بالأوضاع المالية وسعر الصرف وزيادة المرتبات، وهي نقاط حساسة، ولما كان مصرف ليبيا المركزي هو المستشار الاقتصادي للدولة وفقا للتشريعات النافذة، فإنه صار لزاما علينا أن نلفت عنايكم إلى عدد من النقاط”.
وأكد المصرف أنه لا يوجد اختلاف في أنَ من حق الليبيين أن يحيوا حياة كريمة، وأن يحصلوا على مرتبات تكفل عيشا كريما، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بحسن إدارة الموارد المالية، مع ضمان استدامة تلك الحياة الكريمة، كما أنه لا يوجد خلاف أن النفط هو المصدر الوحيد للدخل في الدولة الليبية، والذي يمول الميزانية العامة بأكثر من 95%”.
وخاطب المصرف الدبيبة بقوله: أشرتم إلى الرغبة في أن يكون سعر الدولار 1.3 دينار للدولار، ولكن الرغبة وحدها لا تكفي لتحقيق ذلك، إذ إن الممارسات الفعلية للحكومات المتعاقبة كانت عكس ذلك، فالتوسع غير المدروس في الإنفاق العام طيلة السنوات الماضية وخصوصا الاستهلاكي، الذي يستحوذ على أكثر من 95% من الإنفاق العام، تشكل المرتبات وحدها 60% من الإنفاق العام، حيث قفز بند المرتبات من 33 مليار دينار عام 2021، إلى 65 مليار عام 2023، وارتفع بند الدعم من 20.8 مليارعام 2021، بما في ذلك دعم المحروقات إلى 61 مليار خلال عام 2022، ونتوقع أنها تفوق 61 مليار دينار في العام 2023، منها 41 مليار دينار لدعم المحروقات الذي تنامى بشكل ملفت ويستنزف سنويا ما يقارب 8.5 مليار دولار، ناهيك عن نفقات الدعم الأخرى التي توجه لقطاع الكهرباء مباشرة بقيمة 40 مليار دينار، ليصل إجمالي نفقات الدعم المباشر وغير المباشر إلى 102 مليار دينار سنويا”.
وتساءل المصرف “كيف قفزت مصروفات الباب الرابع من 20.8 مليار دينار، بما فيها دعم المحروقات في عام 2021 إلى 61 مليار دينار في عام 2022، مما يؤكد وجود خلل وتشوه وسوء إدارة في دعم المحروقات” مشيرا إلى أن الدولة أنفقت منذ عام 2021 حتى نهاية 2023 قُرابة 420 مليار دينار، وجه معظمه لنفقات استهلاكية على حساب الإنفاق التنموي، ولدت ضغوطا على سعر صرف الدينار الليبي.
واستدرك المصرف أن الدبيبة وجه في خطابه إلى زيادة المرتبات وتقديم مزيد من المنح، حيث إن التوسع في الإنفاق قد يُرضي بعض الفئات على المدى القصير، ولكنه يتنافى مع مبادئ الاستدامة المالية وضمان حقوق الأجيال القادمة، وهو ما تطلبه الإدارة الرشيدة للمال العام”.
وتساءل المصرف من “أين ستوفر الحكومة تمويل هذه الزيادات، خصوصا في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة لعام 2024 إلى مستوى 115 مليار دينار، وفقا لتقديرات المؤسسة الوطنية للنفط، وخمسة مليار دينار إيرادات سيادية أخرى، بإجمالي وقدره 120 مليار دينار”.
وأضاف المصرف إن الاستمرار بنفس السياسات المالية، سوف يزيد الأمر تعقيدا، ويترتب عليه عجز، مؤكد هذا يستوجب العمل معا لاتخاذ السياسات الكفيلة لتفادي التمويل بالعجز.
وأكد أن اتساع الإنفاق الموازي المجهول المصدر، الذي أثر بشكل مباشر على زيادة الطلب على النقد الأجنبي في الأشهر الأخيرة لعام 2023، نتج عنه ارتفاع سعر الصرف الموازي رغم ضخ مبلغ خمسة ملیارات دولار زيادة عن العام 2022.
وأكد أن الانتقال من سعر صرف 1.3 دينار للدولار إلى 4.85 دينار للدولار، لم يكن خيارا للمصرف المركزي، بل كان نتيجة لأزمات متعاقبة منذ عام 2013، بسبب الاقفال التعسفي للنفط الذي كبد الدولة الليبية خسارة بحوالي 150 مليار دولار، صاحبه خلل في السياسات المالية والتجارية وحالة الانقسام السياسي والمؤسسي وتنامي وتيرة الإنفاق العام وإتباع سياسة التمويل بالعجز، التي أدت إلى ارتفاع الدين العام وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات.
وأكد المصرف أنه لم يكن هناك خيار لإحداث التوازن والحفاظ على ما تبقى من خط الدفاع الأول احتياطيات النقد الأجنبي، إلا بتخفيض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وقد حققت هذه الخطوة أهدافها وأحدثت استقرارا واضحا خلال عامي 2021 و2022 على مستوى الاقتصاد الكلي والتوازن في الميزانية العامة، وميزان المدفوعات واستقرارا في سعر صرف الدينار الليبي، وأن استمرار الحكومة في زيادة مستوى الإنفاق العام بشكل ملحوظ، وبلوغه مستوى 165 مليار دينار عام 2023، ووجود إنفاق مواز مجهول المصدر، أسهم كل ذلك في ارتفاع حجم الطلب من النقد الأجنبي بالرغم من قيام المصرف المركزي بزيادة حجم العرض من النقد الأجنبي بمقدار خمسة مليار دولار، مقارنة بعام 2022 الذي بلغ 16 مليار دولار.
وأوضح أنه في ظل هذه المعطيات كيف يمكن أن يكون سعر الصرف 1.3 دينار للدولار، حسب تصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية، إلا باستنزاف احتياطيات المصرف المركزي واللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية، وهو ليس بالأمر الهين، وينال من سيادة الدولة واستقرارها.
وبين المصرف إنه انطلاقا من واجبه الوطني ومسؤوليته أمام الوطن والمواطن، سيعمل على المحافظة على الاستدامة المالية للدولة بكل ما أمكن، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع بقية مؤسسات الدولة.
ودعا المصرف المؤسسات الوطنية بالعمل معا لإقرار السياسات الاقتصادية والمالية الضرورية للخروج من هذه الأزمة الخانقة، والتي تشتمل على إيقاف الإنفاق الموازي المجهول المصدر، وإقرار ميزانية موحدة لكامل التراب الليبي، وترشيد الإنفاق بما يُحافظ على احتياطيات الدولة وحقوق الأجيال القادمة، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتخفيض الاعتماد على الواردات الخارجية من السلع الاستهلاكية التي تجاوزت نسبتها 80%، كما طالب المصرف بزيادة إنتاج النفط وتصديره على المستوى القريب والمتوسط، وأن تكون أولوية الإنفاق للاستثمار في التنمية الشاملة.
واختتم المصرف رسالته بالقول “وجب بيان هذه الحقائق الجوهرية، ومن باب تحمل المسؤولية التاريخية وأداء الأمانة، فإنَّ الأمر يستلزم ضرورة العمل الجاد للخروج من الأزمة والوصول إلى العيش الكريم والمستدام الذي نطمح إليه جميعا”.(الأنباء الليبية طرابلس) س خ.