طرابلس 26 يونيو 2024 (الأنباء الليبية) – أكد الخبير المصرفي الليبي محمد عامر أن أزمة السيولة النقدية القديمة الجديدة في ليبيا لن تُحل مهما ضخ مصرف ليبيا المركزي من العملة الورقية في المصارف ما لم يُغير المواطن الليبي من ثقافة السحب النقدي والانتقال إلى استخدام الوسائط الإلكترونية في تعاملاته اليومية.
وشدد الخبير المصرفي في اتصال هاتفي مع صحيفة (الأنباء الليبية) أمس الثلاثاء، على أهمية تطوير القوانين المالية للدولة وسن قوانين تمنع التعامل النقدي مع الشركات الخدمية سواء التابعة للدولة أو للقطاع الخاص كخطوة أولى قبل تعميم هذه الوسائط والقضاء على التعامل النقدي (الكاش) الذي سينتهي في ليبيا كما انتهى في سائر دول العالم.
وأضاف أن المصرف المركزي لديه الإمكانيات لإغراق المصارف التجارية بالعملة الورقية غير أنه تساءل إلى متى، قبل أن يشير إلى أن ما يتم ضخه من النقد في المصارف مهما كان حجمه يتم سحبه وينتهي به المطاف بين أيدي التجار والسماسرة الذين يكدسونه في البيوت أو يشترون به عملة صعبة ليستمر تغول السوق السوداء.
وتقول إحصائيات مصرف ليبيا المركزي التي اطلعت عليها صحيفة (الأنباء الليبية) أنه تم ضخ حوالي 16 مليار دينار في المصارف خلال الربع الأول من عام 2024 إلا أن الخبراء يرون أن ارتفاع فاتورة الرواتب إلى حوالي 60 مليار دينار تتطلب توفير 5.4 مليار دينار شهريا لـ 2.3 مليون موظف في ليبيا، وهي أعلى نسبة عالميا مقارنة بعدد السكان.
وأضاف أن مصرف ليبيا المركزي يوفر للمواطن عملة بقيمة 4000 دولار على بطاقة إلكترونية و4000 دولار أخرى للحوالات السريعة إلا أن الكثير من المواطنين يُساهمون، حسب قوله، من خلال بيع هذه البطاقات إلى السماسرة وتجار الأزمات والمهربين، في امداد “الاقتصاد التحتي” المعروف بـ “السوق السوداء” التي تقتات أصلا على حساب الاقتصاد الوطني ودماء الليبيات والليبيين، بوسائل السيطرة.
ودعا في هذا الصدد إلى ضرورة أن تلعب المؤسسات الرقابية الدور المنوط بها في محاربة الفساد وتهريب المال العام وضبط المنافذ مشيرا إلى أن التجار والسماسرة يستغلون كذلك المواطن الليبي في تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد من خلال تسريب مبلغ الـ 10 آلاف دولار المسموح بإخراجه بصورة رسمية.
وأكد أن غياب الدولة فاقم من مشكلة السيطرة على الوضع النقدي للبلاد إلى جانب استشراء الفساد وشراء الذمم وضعف المؤسسات الرقابية وضرب مثلا على ذلك بتركيا التي نجحت في السيطرة على أزمتها النقدية بعد تدهور سعر صرف الليرة من خلال تقنين قيمة السحب النقدي لمنع انهيار الاقتصاد الوطني، غير أنه لاحظ أن نقص الخبرات في ليبيا وتمكًن التجار والسماسرة من تكديس (الكاش) في بيوتهم وتهريب مبالغ ضخمة إلى الخارج فاقم الأزمة النقدية في البلاد.
وأشار الخبير المصرفي الليبي إلى أن مصرف ليبيا المركزي مصمم على توجه جميع المصارف العاملة في البلاد إلى الخدمات المالية الإلكترونية للقضاء على أزمة السيولة وقال “إنه بدون التوجه إلى التعامل عبر المعاملات الإلكترونية لا يمكن لهذه الأزمة أن تنتهي”.
وأوضح في هذا الصدد أن المصارف التجارية والخاصة الليبية توفر اليوم عدة وسائط للتعامل الإلكتروني منها، بطاقات تداول، النمو، اليسر، تطبيق موبي مال، سداد، الأعمال، مؤكدا أن النظام المالي التقليدي انتهى في العالم وسينتهي حتما في ليبيا.
وشدد عامر في سياق متصل على أهمية دور الإعلام الليبي في توعية المواطن بأهمية التوجه إلى استخدام وسائط الدفع الإلكتروني وتحسيس كافة أطياف الشعب الليبي عبر برامج الإذاعات المحلية والبرامج التلفزيونية والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي وفي مواقع العمل والجامعات وغيرها بضرورة مواكبة الخدمات المالية الإلكترونية.
وأكد أن المصرف المركزي قام بجهود مهمة لتجنب الاقتراض من صندوق النقد الدولي ومنع بذلك، حتى الآن، رضوخ ليبيا إلى ضغوط مؤسسات (برايتون وودز)، مثلما جرى في دول مجاورة عدة.
وقال في هذا الصدد “إن الضريبة المضافة على سعر الصرف لا تشكل تهديدا للاقتصاد الوطني ولا تثقل كثيرا كاهل المواطن لأن الأسعار ارتفعت عالميا بطبيعتها بسبب الكثير من الأزمات الدولية على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي يتعين أن يُساهم المواطن قليلا بعد زيادة المرتبات في جهود منع انهيار الدولة ونظامها النقدي” مؤكدا “أن هذه الضريبة جاءت بقرار ويمكن الغاؤها في أي وقت عند استقرار الأوضاع المالية”.
وأوضح عامر أن استخدام الوسائط الإلكترونية في المعاملات سيساعد بشكل كبير على القضاء على عمليات تبييض الأموال ومحاربة التهريب وتجارة الممنوعات وهي عمليات تقدر بعشرات المليارات من الدنانير سنويا.
وقال إن المتعاملين في هذه العمليات المشبوهة سيجدون صعوبة في إيداع أموالهم لدى المصارف خوفا من المساءلة من الجهات الرقابية والخضوع لسؤال: من أين لك هذا، وهي إجراءات، متبعة في مختلف دول العالم.
وخلُص الخبير المصرفي الليبي، محمد عامر، إلى أن الانتقال إلى الخدمات الإلكترونية سيحد من عمليات التهريب على مستوى المنافذ وستُصبح الأموال المكدسة في دول الجوار شيئا فشيئا غير ذات قيمة، مؤكدا أن تجار الصدفة وتجار وسماسرة الأزمات والحروب والفوضى هم سبب أزمة السيولة وأن المواطن مساهم فيها بشكل كبير، حسب تقديره.(الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
-متابعة: أميرة التومي
ساسية اعميد