بنغازي 25 يوليو 2024 (الأنباء الليبية) – تعرض لضيق في صدره وشعور بوهن شديد وكاد أن يسقط مغشيا عليه، وفي أروقه المستشفى حيث سارع به أبناؤه ولحق بهم عدد من أفراد الأسرة والجيران، ووسط تكدس عشرات المرضى في غرفه الانتظار فوجئ أهله بعدم توفر العناية الطبية اللازمة لمثل هذه الحالة.
صلاح سالم (57 عاما) تعرض لذبحة صدرية نقل على إثرها إلى مستشفى بنغازي الطبي (1200) ليتفاجأ أهله بأن جهاز عمليات القسطرة عاطل ونصحهم الطبيب المناوب بضرورة الإسراع في إجراء العملية وأنه عليهم نقل المريض الى عيادة خاصة دون تأخير.
لم تجد أسرة صلاح سالم أي مفر كحال مئات إن لم يكن آلاف العائلات الليبية في ربوع الوطن من نقل مريضها إلى عيادة خاصة حيث اجريت له العملية المطلوبة فور دخوله مقابل 15000 دينار دُفع نصفها مقدما.
استطاع صلاح سالم أن يوفر بالتعاون مع العائلة قيمة العملية في عيادة “نبض الحياة” الخاصة، لكن السؤال الصعب والمُحزن ماذا يفعل المريض الذي لا يملك هذا المبلغ؟ ولماذا لا يعمل هذا الجهاز المهم لإنقاذ الحياة في المستشفيات العامة، في دولة تسبح على بحيرات من النفط والغاز وساكنة لا تتعدى الـ 7 ملايين نسمة؟
لوحظ أن توقف أجهزة القسطرة بالمستشفيات العامة في بنغازي خلال الأشهر الماضية أغرق المواطنين المحتاجين لهذه العمليات في متاهة جديدة من متاهات الأزمات الصحية التي تعصف بالبلاد منذ أمد بعيد واضطر مركز القلب، بحسب المسؤولين، الى اللجوء إلى استخدام برنامج أطلق عليه مُبتكروه “انقاذ حياة”.
وقال المدير العام لقسم الطوارئ بمستشفى بنغازي، الدكتور حاتم التائب، لصحيفة (الأنباء الليبية) إن هذا البرنامج يعتمد على إعطاء الأولوية في عمليات القسطرة لمرضى الجلطات القلبية حيث يتم ادخالهم فورا إلى غرفه العمليات وقد تم اجراء 120 عملية ضمن هذا البرنامج خلال هذه العام، مشيرا إلى وجود حالات يمكن معالجتها بالأدوية فقط دون تدخل جراحي.
وبين التائب أن السبب في عدم ادخال جميع الحالات لإجراء عمليات القسطرة راجع إلى عدم توفر المواد الطبية لهذه العمليات مثل الدعامات والسلك الطبي مؤكدا أن المركز يحتوي على ثلاثة أجهزه قسطرة، اثنان يعملان والثالث يحتاج الى صيانة، في تضارب مع ما يدور في الشارع البنغازي من أن أجهزة القسطرة عاطلة عن العمل، وأقوال أخرى تزعم أنها معطلة لتشغيل العيادات الخاصة.
وأشار التائب إلى أن عمليات القسطرة الاستكشافية متوقفة منذ ديسمبر الماضي وهو ما أكده المواطن، عبد العزيز عمر مصباح، لصحيفة الأنباء الليبية، الذي أجرى عملية قسطرة قبل هذا التاريخ في مستشفى الهواري للقلب، قائلا:” لقد تعرضت لذبحه صدريه العام الماضي ادخلت على إثرها إلى مستشفى الهواري حيث اجريت لي عملية قسطرة وزرع دعامة وكانت عملية سهلة وتلقيت العناية الطبية اللازمة” غير أنه اشتكى من ضيق مبنى قسم القلب وصغر الغرف معتبرا أنها غير لائقة بمرضى القلب.
وأضاف التائب أن مستشفى القلب استأنف إجراء عمليات القسطرة بداية من الشهر الجاري، إلا أنه أشار إلى وجود حالات كثيرة في وضع الانتظار في غرفة الطوارئ التي تحتوي على 18 سريرا فقط، كاشفا أنه يتم نقل الحالة التي تستقر بعد العملية مباشرة الى مبنى المركز الطبي لاستقبال حالة أخرى طارئه كانت في الانتظار.
وبسؤاله عن أسعار الدعامات التي يحتاجها مرضى القلب، قال التائب في هذا الصدد إن للدعامات أحجاما مختلفة وإن تكلفة الدعامة الواحدة تقدر بحوالي (3000) دينار ليبي وقد يحتاج المريض لأكثر من دعامة أحيانا وهو ما يفرض توفر جميع الأحجام وقت العملية لأنه لا يمكن تحديد الحجم المناسب إلا اثناء التدخل الجراحي.
واستطرد أن بعض الحالات تستطيع تجاوز الأزمة القلبية البسيطة باستخدام المذيب والذي تقدر الجرعة الواحدة منه بحوالي 3500 دينار وهي متوفرة بالمركز ويحتاج المريض الى جرعه واحدة فقط.
وقال المواطن علي المهدوي لصحيفة (الأنباء الليبية):” تعرضت لأزمة قلبية قبل ثلاثة أشهر ونُقلت الي مستشفى القلب وتم تشخيص حالتي بأنه يمكن معالجتها حاليا بالمذيب واستجبت للعلاج وأنا الآن بصحة جيدة في انتظار أن يتم فتح باب عمليات القسطرة لأني أحتاج الى دعامة فالمذيب علاج موقت”، مؤكدا أن لا يتوفر على الإمكانيات المالية لإجراء عملية القسطرة في العيادات الخاصة.
وأبلغ مدير مركز القلب، الدكتور طاهر الفاضلي صحيفة (الأنباء الليبية) أن توقف عمليات القلب في مستشفى الجمهورية ومستشفى الهواري العام 7 أكتوبر وتعطل جهاز مستشفى بنغازي الطبي (1200) وخروجه عن الخدمة، تعتبر من العوامل التي أثرت تأثيرا سلبيا على قدرة المركز وأدائه حيث فاقت الحالات المرضية الطاقة الاستيعابية للمركز.
وقال الفاضلي إن المركز ينقسم إلى ست وحدات طبية متكاملة تحتوي على 100 سرير وهي غير كافيه لتغطية الخدمات الطبية للرقعة الجغرافية التي يغطيها المستشفى حاليا معربا عن الأمل في أن تتدخل المستشفيات في المدن المجاورة كالبيضاء وطبرق للدعم رغم أنها تعاني من نقص في الكوادر الطبية.
وأضاف الفاضلي في سياق متصل أنه تم الاتفاق خلال اليومين الماضيين مع جهاز الامداد الطبي على توفير المستلزمات الطبية اللازمة للمركز الأمر الذي سيُمكن من استئناف عمليات القسطرة الاستكشافية وفق برنامج وجدول محددين.
لا يخفى على أحد أن النظام الصحي في ليبيا، غربا وشرقا وجنوبا، يواجه أزمة متفاقمة وتحديات معقدة خاصة ما يتصل بنقص العناصر الطبية المؤهلة والعناصر الطبية المساعدة، وتُعاني كافة المستشفيات العامة أوضاعا حرجة جراء نقص المعدات وتعطل حتى الحديثة منها لأسباب مجهولة، ونقص الأدوية.
صُرفت ميزانيات ضخمة موثقة على هذا القطاع المهم الذي كان فعالا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إلا أن وضع الرعاية الصحية، التي طالما اعتمدت على العناصر الأجنبية، بدأ في التدهور شيئا فشيئا وتفاقم بعد 2011، وهو أمر ليس بالمستغرب في بلد استشرى فيه الفساد وغرق في الانقسام السياسي حيث تدار ليبيا اليوم بحكومتين تتنازعان السلطة، وأضحت المستشفيات العامة التي أنفقت عليها الدولة الملايين، مجرد مبان ضخمة تفتقر لأبسط المعدات الطبية والأدوية، ناهيك عن هجرة الخبرات الليبية بسبب تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد.
ويقول أحد المواطنين الذين التقتهم موفدة لصحيفة (الأنباء الليبية) لاستطلاع رأي المترددين على أحد المستشفيات العامة، طلب عدم الكشف عن هويته: “لا شيء أكثر رعبا من أن تمرض أو يمرض طفلك أو أحد أحبابك ولا تعلم إلى أين تذهب للحصول على العلاج في بلادك التي تتوفر على موارد كبيرة”، متسائلا بغضب شديد بان على وجهه: “إلي متى تظل حياة المواطن في ليبيا رهينة للتعثر والأزمات في قطاع الصحة”؟(الأنباء الليبية بنغازي) س خ.
-متابعة: أحلام الجبالي
حنان الحوتي
أم كلثوم الوليد