طرابلس 27 يوليو 2024 (الأنباء الليبية) – يواجه عمر علي (55 عاما موظف بإحدى شركات الاتصالات بطرابلس وأب لخمسة أطفال)، منذ بداية شهر يوليو الجاري ضغوطا وحالات من التذمر والاحتجاجات المتصاعدة من زوجته وأطفاله مطالبين الذهاب في رحلة للاستجمام على شاطئ البحر إسوةً بأقاربهم وجيرانهم.
أحس هذا الأب بحاجة أهله إلى بعض الاستجمام خاصة عندما واجهه ابنه البكر مراد، (14عامًا طالب في المرحلة الإعدادية) بشيء من التمرد بسبب منعه من مرافقة أقرانه إلى البحر.
وأسر عمر علي إلى أحد زملائه بأن إبنه مراد اشتكى عدة مرات بأنه لم يشعر بأية راحة منذ بدء الإجازة المدرسية لأنه لم يغادر المنزل ويحتاج إلى شيء من الراحة في فصل الصيف حيث تتجه معظم العائلات الليبية الى شاطئ البحر.
سأل عمر علي، بعض الأصدقاء عن مكان على شاطئ البحر في حدود منطقة طرابلس يمكن أن يصطحب إليه عائلته للاستجمام. وكانت معظم الآراء تنصحه بالمصايف الواقعة على ساحل المنطقة الغربية في تليل وصبراتة (حوالي 75 كيلو مترا غرب طرابلس)، لنظافتها وبعدها عن التلوث الذي تسببه مياه الصرف الصحي التي تصب في البحر، وكخيار ثان مجموعة من المصايف في الضاحية الشرقية من طرابلس في المنطقة المعروفة بـ (سيدي الأندلسي) – تاجوراء.
لم يكن عمر علي يثق كثيراً في سيارته وبالتالي اختار المصايف القريبة في الضاحية الشرقية لطرابلس.
توجه هذا المواطن الليبي عند مغادرته مقر عمله يوم الخميس للحجز في أحد المصايف بناء على نصيحة أحد أصدقائه بضرورة زيارة المكان والحجز مسبقا نظراً لازدحام المصايف أيام العطلات.
تجول في عدد من المصايف ووقع اختياره على مصيف (تاج أورا) في نهاية منطقة (سيدي الأندلسي).
رجع عمر إلى بيته بعد أن حجز عريشة في المصيف الذي اختاره ليومي الجمعة والسبت. وعندما همت زوجته وابنته الصغرى بالشكوى والتذمر من حرارة الجو والشعور بالضيق في البيت سارع إلى إعلان الخبر السعيد بالاستعداد للذهاب صباح الغد الى البحر.
تناولت هذه الأسرة الليبية وجبة الغداء لذلك الخميس على عجل وتحول البيت الى خلية نحل استعداداً لتجهيز ما يلزم من الطعام الجاف والمياه والمشروبات والعصائر والملابس الخاصة بالسباحة استعداداُ لليوم الموعود.
زار فريق من صحيفة (الأنباء الليبية) مصيف (تاج أورا) وتواصل مع مشرفه حسين العزيبي الذي أفاد بأن هذا المصيف أنشئ عام 2020 ويحتوي على 49 عريشة صغيرة تطل على البحر وكل عريشة بها ركن مغلق يستخدم كحجرة لتغيير الملابس.
وأضاف أن المصيف يشتمل كذلك على عرائش كبيرة في الدور العلوي تطل على البحر من جهة وعلى ملعب وألعاب أطفال من جهة أخرى، مشيراً إلى أن المكان مجهز بحوض سباحة للأطفال في حالة تعذر السباحة في البحر بسبب ارتفاع الأمواج أو الرياح، ويُوجد به مقهى ومصلى للنساء وآخر للرجال ودورات مياه منفصلة ودورة مياه لذوي الاحتياجات الخاصة.
وبسؤاله عن الأسعار في هذا المصيف قال العزيبي إن أسعار العرائش تختلف حسب أيام الأسبوع والمساحة مشيراً إلى أن تكلفة العريشة في الأيام العادية تتراوح ما بين 60 و70 دينارا إلا أنها تصل يوم الجمعة إلى ما بين 100 و120 دينارا.
وأضاف أن هناك غرفا مساحتها 32 م2 يبلغ سعر إيجارها في الأيام العادية 150 دينارا ويزيد قليلاً يوم الجمعة، وتحتوي على طاولة وأربعة كراسي وركن لتغيير الملابس مبينا أن ارتفاع الأسعار في العطلات وتحديدا يوم الجمعة يعود إلى زيادة عدد العاملين بالأجر اليومي لتأمين أفضل الخدمات بالنظر الى زيادة عدد المصطافين.
وقال إن المصيف يتوفر على استراحات للمبيت مجهزة بالكامل تحتوي على مطبخ متكامل وتكييف هواء ودورة مياه ولعب أطفال وخدمة الانترنت.
وأوضح أن كلفة ايجارها تبلغ 250 دينارا لليلة الواحدة مضيفا أن (تاج أورا) يوفر لزبائنه موقفاً محروساً للسيارات وعناصر للإنقاذ البحري وآخرين للحراسة والأمن والخدمات عند مدخل المصيف ومقهى.
واستطرد أنه يفكر في توسيع الخدمات للمصطافين من خلال توفير قوارب للتنزه في البحر وألعاب بحرية خاصة للأطفال، إلا أنه كشف عن تردده خوفا من التهديدات المستمرة بإزالة هذه المصايف متحفظا عن الحديث عن كيفية شغله لهذه المساحة على شاطئ البحر، عند سؤاله عن ذلك.
وقالت لمياء محمد (45 عاما، أم لثلاثة أطفال) إن الخدمات التي يقدمها هذا المصيف ممتازة مقارنة بمصايف أخرى زارتها العام الماضي ويوفر اجراءات الأمن والسلامة بصورة جيدة.
من جهتها أكدت فاطمة محمد (40 عاما وأم لطفلين) أن (تاج أورا) يحتاج الى مزيد من الاهتمام بالنظافة خاصة على الشاطئ ورأت ضرورة تخفيض الأسعار وبخاصة أسعار المواد الغذائية داخل المقهى.
وقال أمير محمد (52 عاما أب لأربعة أطفال) “تعودنا كأسرة ارتياد مصيف (جيران البحر) بمنطقة تاجوراء كل عام حيث أصطحب أسرتي وأمي وإخوتي وأطفالهم لقضاء يوم على شاطئ البحر نقوم خلاله باستئجار طاولتين وثمان كراسي بسعر 50 دينار لكل طاولة.
وأضاف أن المصيف يوفر خدمات ممتازة حيث يهتم القائمون عليه بأمور النظافة ويوفرون مكانا خاصا للأطفال وموقفا محروسا للسيارات مقابل 10 دينار في اليوم للسيارة الواحدة.
وقال أمير محمد إن (جيران البحر) شبه خاص ويوفر أماكن لمبيت العائلات لقاء مبلغ 400 دينار لليلة.
ورأى عبد الحفيظ عمران (60 عاما، أب لخمسة أطفال) أن الشواطئ في ضواحي طرابلس التي لا يزال ممكنا السباحة فيها نظرا لتلوث الشواطئ على الواجهة البحرية للعاصمة من جنزور غربا إلى تاجوراء شرقا، تحولت الى مصايف خاصة بمقابل مادي وهو أمر بات مقلقا لسكان العاصمة.
وكانت الجمعيّة الليبية لحماية الحياة البريّة، نشرت تقارير على مدى السنوات الثلاث الماضية(2021-2023) حول مياه البحر في العاصمة طرابلس، كشفت عن ارتفاع نسبة التلوث في مياه شواطئ البحر، بسبب مياه الصرف الصحي
وتكررت في نفس هذه الفترة شكاوى المواطنين ممن يرتادون شواطئ العاصمة من أمراض معوية أصابتهم عقب السباحة في شواطئ طرابلس، وتراوحت الأعراض بين إسهال، وقيء، وحرارة مرتفعة.
وبينت التحاليل الطبية إصابة الذين سبحوا وغاصوا في مياه شواطئ طرابلس في (الليدو وقرقارش وعين الزرقاء والريجية والشعاب وشط الهنشير)، ببكتيريا “كولي” وبكتيريا “كوليفورم” وهي المصدر الرئيسي للإسهال وارتفاع درجات الحرارة، بحسب الأطباء.
وكانت تقارير لبلدية طرابلس المركز اطلعت عليها صحيفة (الأنباء الليبية)، أفادت بأن مياه شواطئ مدينة طرابلس لم تعد قابلةً للاستعمال لأي نشاط يُذكر، بناءً على تحاليل علمية مؤكدة.
وأضاف عمران أن استيلاء أشخاص بطرق غير معروفة عن هذه الشواطئ وتحويلها الى مصايف خاصة بمقابل منع كثيرا من العائلات الليبية التي لا تستطيع الدفع مقابل ايجار العرائش والطاولات من تنفس الهواء والاستجمام على شاطي البحر وبالتالي تضطر هذه العائلات إلى الذهاب إلى مناطق أخرى بعيدة، مع تحمل مخاطر السير على الطرقات والازدحام الشديد أيام العطلات، إلى جانب الأوضاع الأمنية التي لا تزال هشة إلى حد ما، أو اللجوء الى الحدائق العامة ليلا هربا من القيظ.
وفي سياق متصل تطالب كثير من الليبيات بتخصيص مصايف خاصة للنساء أو تحديد أياما معينة لهن في الأسبوع في بعض المصايف حتى يستطعن النزول إلى الماء وممارسة السباحة إذ أن كثيرا من النساء يذهبن الى الشواطئ ويبقين داخل العرائش وفي أحسن الأحوال ملامسة مياه البحر على الشاطئ بأقدامهن عند الغروب.
ويدور جدل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين للمصايف الخاصة ومعارضين يطالبون بإخلائها وبالعودة إلى زمان الشواطئ المفتوحة دون مقابل.
وتتوفر ليبيا على أطول ساحل على البحر المتوسط وشواطئ ساحرة يتعانق فيها البحر مع الصحراء خارج المدن، ومع الجبل الأخضر في المنطقة الشرقية.
وتجذب الشواطئ المفتوحة الكثير من المصطافين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف المصايف الخاصة إلا أنها تشكل تهديدا لمرتاديها بسبب عدم توفرها على شروط السلامة منها رجال الإنقاذ البحري ووسائل الإنقاذ الأخرى المتوفرة في المصايف الخاصة.
وتفيد محاضر العديد من مراكز الشرطة في المدن الساحلية ارتفاع حالات الغرق خلال السنوات الماضية في الشواطئ المفتوحة التي يضطر إليها كذلك “آباء البنات”، الذين يفضلون أماكن معزولة إلى حد ما على شاطئ البحر تجنبا للمضايقات. (الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
-متابعة : ساسية اعميد، أميرة التومي
-تصوير: فتحي شلفيط