بنغازي 30 يوليو 2024 (الأنباء الليبية) – لم تكن، سعاد علي، تعرف أن “حديقتها العامة”، تيبستي، التي تتنفس فيها هربا من القيظ، وكبديل عن المصايف الخاصة المكلفة جدا في ظل اشتعال الأسعار، تحولت إلى مشروع تجاري يمنع القائمون عليه أي أحد من الجلوس على كراسيها مجاناً.
جلست سعاد، السيدة الأربعينية مع أطفالها، على الرصيف المتاخم لحديقة تيبستي، ممسكة بكيس “بلاستيكي” به بعض الخبز، قائلة: “جئت أنشد بعض الراحة وتنفس الهواء مع أطفالي كما تعودنا، لكن العامل (المصري) قال لي: “إما تطلبي شيء أو تنوضي من الكراسي”.
شراء طعام جاهز من هذا الكشك لا تستطيع سعاد تحمله، لذلك تحضر بعضاً من غذائها، أو “سندوتشات” جاهزة تم تحضيرها في المنزل قائلة بفرحة:”ناكلوهم ونحن في غاية الفرحة و يا سلام لو كان معاهم قازوزة باردة).
تبقى الحديقة ملاذ كل شخص، صغيراً كان أم كبيراً، فاستنشاق الهواء العليل، والأكسجين النقي، في هذا الفضاء في قلب مدينة بنغازي الذي تزينه الأشجار والنباتات، يصفّي الذهن ويريح الأعصاب، وهذه حقائق علمية، فكلما دخلت كميات أكبر من الأكسجين إلى الدماغ، أراحت الأعصاب والشرايين. ومن هنا يأتي التمتع بما تتميز به هذه الحديقة بالنفع الكبير.
اتخذت العائلات البنغازية من هذه الحدائق ملاذاً للهروب من زحمة العمل، وضغوطات الالتزامات اليومية، فيحضرون أبناءهم للعب والاستمتاع، أمّا الأمهات فيجدن فرصة للتلاقي والتعارف.
تعود سعاد لتخبر موفدة صحيفة (الأنباء الليبية) قائلة:”انجي من سي خليفة عشان انغير جوي وهذه الطلعة في الأسبوع مرة أو على حسب الوضع المادي”.
وقال حسام العبيدي (30 عاما)، إنه ليس ضد وجود فضاء تجاري في الحديقة، ولكنه ضد تحويل الحدائق المفتوحة والعامة، وحصر استغلالها تجاريا على فئة معينة، مذكًرا أن الحدائق، في كل العالم، مكان عام، وهكذا كانت دائما في بنغازي إلا أنها أصبحت اليوم فضاء للتربح.
ورأى العبيدي أنه لابد من وجود فضاء مفتوح للمواطن الذي من حقه أن يستمتع بالفضاء العام بكل حرية ودون مقابل.
واستنكر في هذا السياق قيام “عمال أجانب” بإزالة كراسي الحديقة التي خصصتها البلدية، ووضع كراسي وطاولات من البلاستيك، ليمنعوا الأهالي من الجلوس عليها إلا بمقابل.
كما استنكر صوت الموسيقى الصاخبة الذي يملأ المكان، دون احترام للعائلات المتواجدة ولا لخصوصية المكان، مؤكدا أن هذه الحديقة تحولت إلى فضاء خاص، وليس كما كانت في السابق.
وقال جمال العقوري (أب لأربعة أطفال)، إن غلق الغابة – 23 يوليو التي تسمى محليا (البوسكو) سبب له مشكلة كبيرة، حيث كان ينزه أطفاله مرة كل أسبوع، وكان الأمر ممتعاً إلا أن إغلاقها للصيانة سبب له الكثير من الازعاج.
وأوضح العقوري أنه منذ السنة الماضية أصبح غير مسموح بالجلوس في المقاعد المتناثرة هنا وهناك في حديقة تيبستي.
وكان على جمال العقوري أن يجد ملاذاً آخر غير (البوسكو)، فوجد كورنيش تيبستي إلا أنه كان مملاً بسبب تلوث مياهه، واستيلاء العمالة الأجنبية عليه بوضع كراسي وطاولات بلاستيك على طول الكورنيش أيضا، حتى بات الوضع لا يطاق، وفق قوله.
تشكل المسطحات الخضراء والحدائق العامة مكوناً أساسياً للمدينة، ليس فقط من الجانب الجمالي والبيئي، ولكن أيضا لتوفيرها ملاذا اجتماعياً، فهي بمثابة الرئة الأساسية للكادحين، يستطيعون من خلالها التنزه، والاستجمام في فضاء يلائم ظروفهم الاقتصادية.
يتساءل الشارع البنغازي اليوم عن المسؤول عن هذه الحدائق؟ وما الجهة الداعمة لهذه العمالة الأجنبية لتقيم على أرض عامة مقاهٍ وأكشاكا غير مرخصة، وتنشر مقاعد خاصة بها، وتفرض على مرتادي الحدائق العامة الدفع مقابل الجلوس عليها والاستمتاع بهذا الفضاء؟
ويُطالب في ذات السياق معرفة هل هذه العمالة الأجنبية تستأجر هذه الفضاءات من مؤسسات الدولة الرسمية، أم من جهات موازية، أم أنها أقامت تلك الأكشاك المتخلفة، الصادمة للعين وغير الآمنة صحياً من تلقاء نفسها؟
ومن هنا يتعين على الحكومة الليبية أن تنظر إلى هذه الحدائق بعين الاعتبار، وأن تتحرك جهات الضبط القضائي المسؤولة التابعة لها للملمة هذه الفوضى، وتمكين الليبيات والليبيين من التنفس بهدوء.(الأنباء الليبية بنغازي) س خ.
متابعة : حاتم جمعة الخضر . نعيمة عياد الصليل . حسين عبد الوهاب . على العمامي