طرابلس 13 أغسطس 2024(الأنباء الليبية)-عُرف الملح منذ الأزل وله استخدامات عدة في الطهي والتجارة والصناعة والزراعة والكهرباء والطب والدواء وشكل مصدر رزق لمئات آلاف العائلات على مر العصور.
فرحات موسى بقوش (68 عاما)، مواطن ليبي يعمل في تجارة الملح على الطريقة البدائية منذ عقدين، يقف أمام دكانه الصفيحي (براكة باللهجة المحلية) عند المخرج الغربي لمدينة زوارة باتجاه طرابلس، عارضا أكياسا مختلفة الأوزان من الملح.
التقته موفدة لصحيفة (الأنباء الليبية) على هامش زيارة إلى مدينة زوارة لتغطية ورشة عمل خاصة بقطاع التعليم والتربية، وسألته عن مصدر هذا الملح فقال:” إنه ملح طبيعي يُستخرج من ملاحات زوارة وأبو كماش، التي تغرق شتاء بمياه الأمطار وفي فصل الصيف تتبخر المياه ويبقى الملح في قاع الملاحات فيتم جمعه وتعبئته لغرض البيع”.
وأضاف بقوش أن للملح الطبيعي استخدامات عديدة أبرزها ملح الطعام أو المائدة، ويُستخدم في الطبخ وفي الصناعات الغذائية المحلية والصناعية، حيث استخدمته الأمهات والجدات في ليبيا في حفظ الطماطم وفلفل (الهريسة) وفي الكثير من المصبرات الغذائية في البيت، أو تلك المنتجة في المصانع، وهو الملح النقي دون شوائب، مشيرا إلى وجود عدة أصناف من الملح، منها ملح الطعام أو المائدة، وما يُطلق عليه محليا بـ “الملح الذكر”، ويُستخدم وفق العادات والتقاليد ضد الطاقة السلبية، والعين والحسد، ولدينا ملح يُستخدم لأغراض الزراعة وحفظ الجلود ولحفظ الحرارة في الأفران العادية وأفران المخابز وعشرات الاستخدامات الأخرى، منها خاصة الطبية حيث يُستخدم الملح ضد الروماتيزم والتهاب المفاصل وفي حساسية الجيوب الأنفية عند نزلات البرد، حسب قوله.
وعن كيفية استخراج الملح أوضح بقوش أن الملح يبدأ في النضوج في فصل الصيف مع بداية فصل الخضروات، ويتم غسله بنفس المياه المتبقية الراكدة في الملاحات قبل استكمال عملية التبخر لنزع الشوائب منه ويُصبح صالحا للاستهلاك البشري في المطبخ، وفي حفظ الطماطم والفلفل وسائر المخللات، أما إذا اكتملت عملية التبخر فإن الملح المتبقي يتم جمعه ويُستخدم في أعمال متصلة بالكهرباء وفي أغراض الزراعة والأفران وحفظ الجلود الحيوانية.
وأضاف أن عملية استخراج الملح في ملاحات زوارة وأبو كماش تتم حتى اليوم يدويا بطريقة بدائية كما كانت منذ القدم حيث يتم غسله ونزع الشوائب يدويا وتسويقه غير أنه حذر من الإفراط في تناول الملح خاصة لدى المصابين بمرض ضغط الدم بسبب تكلسه في الكلى.
وقال إنه يتم خلال عملية جمع الملح الحصول على ما يُعرف بـ “زيت الملح” الذي يسيل من تكدس الملح فوق بعضه ويتم جمعه في حفر في نفس الملاحة قبل تعبئته وبيعه لاستخدامه في أغراض علاجية منها معالجة الروماتيزم والبرد في المفاصل وعلى الجلد فيما يُعرف بـ “الحكة” ومداواة تشقق الأقدام والجروح والتقرحات وهناك من استخدمه في حالات الإصابة بالبهاق وشُفي، حسب تأكيده.
وحذر بقوش، بائع الملح التقليدي، من شرب زيت الملح أو ملامسته للعيون إلا أنه أكد أنه صالح أيضا لمداواة الجروح التي تُصاب بها الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب وكذلك الخيول والإبل والبقر والخراف والماعز.
وأوضح أنه اختار مهنة بيع الملح منذ الصغر وحتى عندما كان يعمل في قطاع التدريس الذي أمضى فيه 33 عاما وخرج بمرتب تقاعدي يبلغ 900 دينار، وكان يعمل في الفترة المسائية، إلا أنه امتنع عن الإفصاح عما يجنيه من هذه التجارة واكتفى بالقول” مستورة الحمد لله … نحن لا نجمع الملح ولكن نشتريه من الذين يجمعونه ونقوم بتعبئته وبيعه”.
وبسؤاله عن إمكانيات التصدير، قال بقوش إن التصدير يتطلب وسائل وتقنيات واستثمارات كبيرة وفي حاجة إلى وسائل نقل وميناء للتصدير مضيفا:” لا أعرف هل الكميات المستخرجة يُمكن تصديرها أم تُغطي الاستهلاك المحلي فقط”.
وأشار إلى أن الملح يتم جمعه من الملاحة الممتدة من منطقة زوارة أبو كماش إلى رأس اجدير وهي ملاحة كبرى تمتد إلى بن قردان في تونس.
تتربع هولندا على رأس قائمة أكبر 10 دول مصدرة للملح بـ 435.8 مليون دولار (12.9% من إجمالي صادرات الملح العالمية)، تليها ألمانيا بـ 314.3 مليون دولار (9.3%)، الهند: بـ 311.7 مليون دولار (9.2%)، الولايات المتحدة: بـ 205.3 مليون دولار (6.1%)، كندا بـ 194.4 مليون دولار (5.7%)، تشيلي بـ 183.6 مليون دولار (5.4%)، إسبانيا بـ 160 مليون دولار (4.7%)، الصين بـ 143 مليون دولار (4.2%)، تونس بـ 97 مليون دولار (2.9%)، المملكة المتحدة بـ 94.5 مليون دولار (2.8%). ومن هنا يعتقد الخبراء أن ليبيا يمكن أن تكون ضمن هذه القائمة إذا استثمرت في استخراج وصناعة الملح الذي له خصائص مثل الملح التونسي تجعل منه الأجود في العالم.
ويرى الباحثون أنه لا توجد معلومات واضحة حول المرة الأولى التي تم استخدام الملح فيها باعتباره مكونًا أساسيًا في الطعام أو كحافظ له لكن من الواضح أن هناك بعض الحيوانات قامت بلعق بعض الصخور المالحة بطريقة عشوائية ومن هنا انجذبت إليها، ويرى البعض أيضًا أن الإنسان البدائي لجأ إلى لعق بعض الصخور من أجل الحصول على طعم مالح، قبل أن يكتشف أن الأطعمة التي يغلفها الملح تكون محفوظة لمدة أطول.
يُعتبر قدماء المصريين، بحسب المؤرخين، أول من حفظوا اللحوم بالملح مُنتجين بذلك أول أنواع اللحم المقدد، ومن أوائل الثقافات التي عرفت اللحوم والأسماك النيلية المملحة. فهم أول من أعد البطارخ المملحة (بيوض الأسماك المجففة والمحفوظة في الملح أو المدخنة)، وهو طبق شهير في المدن المطلة على البحر المتوسط. وهم أيضًا أول من تناولوا ثمار الزيتون المنقوعة في الماء والكثير من الملح.
ومن جهة أخرى، كان الفراعنة يحصلون على الملح من بعض الملاحات الشمسية القريبة من دلتا النيل، بالإضافة للتجارة القائمة بينهم وبين مدن البحر المتوسط لا سيما ليبيا، ومع أثيوبيا(الحبشة)، في شرق أفريقيا. (الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
-متابعة وتصوير: نعيمة المصراتي