بنغازي 04 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية) – لا يزال الفزع يعتري نبرات صوت الحاج غيث الزروق الذي تاه مطلع هذا الأسبوع في الصحراء لمدة يومين غير أن مشاعر الفرح والامتنان لنجاته تدافعت وهو يروى قصته لمراسلة صحيفة الأنباء الليبية قائلا: “تهت مع رفيقي في صحراء الكفرة لمدة يومين كاملين وكنا قريبين من الموت”.
وروى الزروق بوجه غطت التجاعيد معظمه وسط بعض الشرود وهو يسترجع ساعات طويلة وحاسمة عاشها بين الحياة والموت بعد أن تاه في بحر الرمال العظيم، تفاصيل الحادثة التي بدأت بعد مغادرته ورفيقه منطقة بوزريق التي تبعد حوالي 250 كيلومترا عن الكفرة، حيث كانا يشرفان بشكل تطوعي على أعمال صيانة مسجد المنطقة.
واستطرد: “أثناء مغادرتنا المنطقة سلكنا الطريق الصحراوي تجنبا للطريق الرئيسي المتهالك الذي تصعب القيادة فيه، وتوغلنا داخل الطريق الصحراوي إلا أننا فقدنا وجهتنا”.
وتابع الزروق وهو يسترجع من حين لآخر لحظات الفزع وعيناه تفيضان بدموع الفزع والفرحة : “فقدنا وجهتنا الساعة الرابعة عصراَ بعد أن كان من المفترض وصولنا بعد ساعة فقط من مغادرتنا، إلا أن عاصفة رملية أجبرتنا على أن نسلك طريقا محاذيا لجبال ماري الممتدة من الكفرة إلى ربيانة، وأثناء القيادة واجهتنا سيوف رملية شكلتها العاصفة وتسببت في تعطل محرك السيارة”.
أطلق أهالي الكفرة على الحاج غيث الزروق،(64 عاما، ورب أسرة تتكون من 13 فردا)، لقب مغيث المحتاجين، بعد أن قام قبل حوالي عام بتوفير وجبات إفطار للمهاجرين في المنطقة واستمر في تقديم المساعدات بعد انقضاء شهر رمضان بمجهوداته الذاتية وعلى نفقته الخاصة، حيث قام بإعداد وتوفير وجبات إفطار بشكل يومي للعديد من النازحين والمهاجرين.
ذاع صيت الزروق في مدينته، وكان له من اسمه نصيب، لينطلق في العمل التطوعي ومساعدة المحتاجين عبر إعداد وجبات إفطار وإغاثة لآلاف اللاجئين من دولة السودان الذين أرغمتهم الحرب على ترك ديارهم وكانت مدينة الكفرة الملجأ الأول أمامهم هربا من ويلات الحرب.
ولجأ عشرات الآلاف من السودانيين، رجالا ونساء وأطفالا من كل الأعمار، إلى ليبيا هربا من الحرب المدمّرة التي تدور رحاها في بلادهم منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ولا تُوجد إحصائيات رسمية بأعداد المهاجرين السودانيين الذين لجأوا إلى الكفرة ومنها إلى عدة مدن ليبية أخرى، إلا أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سجلت في يونيو 2024 وصول 40 ألف لاجئ سوداني إلى واحة الكفرة البالغ تعداد ساكنتها حوالي 60 ألف مواطن، وقد يكون عددهم تضاعف عدة مرات مع استمرار الحرب المدمرة في السودان، ما سبب الكثير من المشاكل في هذه المنطقة الحدودية التي تعاني من شح الموارد والامكانيات على خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها ليبيا جراء استمرار الانقسام السياسي.
وتابع الحاج الزروق:” تهت ورفيقي في الصحراء لمدة يومين كاملين، بدون ماء ولا طعام، وسط ارتفاع كبير في درجات الحرارة التي تصل إلى 45 درجة مئوية في هذا الفصل. حاصرتنا الحرارة من كل جهة وشعرنا بالعجز وفقدنا الاتصال. وفي اليوم الثاني بدأ التعب يشتد وتراجعت حالتنا الصحية الأمر الذي جعلنا نفقد الأمل في النجاة. ومع ذلك تقبلنا أمر موتنا الحتمي واستسلمنا لإرادة الله إلى أن وجدتنا فرق الإنقاذ والمواطنين الذين خرجوا بحثا عنا بعد أن أبلغهم أحد أبنائي بضياعي في الصحراء، وهبت العديد من الجهات للبحث بما في ذلك الطيران من القوات المسلحة للبحث عنا”.
وأوضح أنه اهتدى ورفيقه في اليوم الثاني من الضياع إلى إرسال إشارات عاكسة عبر الشمس بواسطة مرآة السيارة فالتقطتها فرق البحث على بعد حوالي 15 كيلومترا وتم إنقاذهما.
وشرح الحاج الزروق أنه قام في إحدى لحظات فقدان الأمل في النجاة بكتابة وصية دعا فيها إلى الترفق باللاجئين السودانيين، وتمنى على أهل الكفرة التصدق من كل بيت بالمياه لتقديمها لعابري السبيل ومساعدة اللاجئين.
يُذكر أنه عُثر يوم الأحد الماضي على المواطنين، غيث الزروق وموسى العريبي بعد أن تاها في الصحراء لمدة يومين.
وأوضح رئيس جهاز الإسعاف والطوارئ في الكفرة إبراهيم بالحسن، لصحيفة (الأنباء الليبية)، أن الجهاز شارك رفقة عدد من المواطنين المتطوعين في عمليات البحث للعثور على المفقودين، مشيرا إلى أن عمليات البحث تركزت في المنطقة المعروف بـمنطقة الـ 70 في اتجاه الشمال بالصحراء.
وكشف بالحسن بالمناسبة أن حالات الضياع التي تم تسجيلها منذ مطلع هذا العام، وصلت إلى سبع (7) حالات ما بين الكفرة وربيانة وتازربو، بالجنوب الشرقي، وحالتي ضياع في طريق السودان، وحالة ضياع ما بين الكفرة وطريق بوزريق. (الأنباء الليبية _ الكفرة) ع د
حوار: فاطمة الورفلي