بنغازي 09 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية) – ساد صمت عميق بعد سؤال توجهت به مراسلة لصحيفة (الأنباء الليبية) عبر الهاتف إلى رئيس قسم وحدة الإنقاذ البحري طلميثة، حاتم بلحاج، عن أصعب الأوقات التي عاشها خلال أداء واجبه الإنساني بعد السيول المدمرة التي سببها إعصار دانيال ليلة 10 إلى 11 سبتمبر، واجتاحت مدينة درنة بشكل مدمر وعديد مدن الجبل الأخضر، غير أنها عندما همت بقفل الخط ظنا منها أن الاتصال انقطع، سمعت تأوها مشحونا بالآلام وتنهيدة طويلة قال بعدها:” لقد أعدتني إلى حالة من الصدمة الشديدة عندما رأيت صورة جثتين متشابكتي الأيدي، لقد أقضت تلك الصورة مضجعي منذ ذلك الحين ولا تزال الكوابيس تراودني وتقض مضجعي إلى اليوم”.
تبدو الصورة التي التقطها بلحاج وأرسلها إلى مراسلة (الأنباء الليبية) للوهلة الأولى، صورة لبعض الجثث تطفو وسط حطام في البحر غير بعيد عن الشاطئ، وهي صورة إلى حد ما عادية وسط هول الفاجعة، وعدد الضحايا والمفقودين، إلا أنه عندما تُمعن النظر جيدا تلاحظ جثتين متشابكتي اليدين وكأن الضحيتين تحاولان التمسك ببعضهما البعض حتى النهاية.
وهنا تُصبح الصورة مرعبة وصادمة ويغرق الناظر إليها في تخيل ذلك الموقف المهيب في الصراع من أجل الحياة، ويسرح بنا الخيال إلى تمسك أب بابنه، أو ابن بأمه، أو أخ بأخيه، أو صاحب بصاحبته.
وقال بلحاج: “رؤية البحر ولونه المميز، بحكم مهنتي، كان يشعرني بالراحة، غير أنني بمجرد تفكيك رموز تلك الصورة غرقت مشاعري في بحر من الآسي والحزن، وضربت بحار نفسي موجة عنيفة من الذكريات المليئة بمنظر تلك الجثث العارية التي بدت كالدمى، ولكنها كانت للأسف الشديد جثث أهلنا في مدينة درنة، ضحايا إعصار دانيال الذي افتك منا آلاف الأحبة.
“عانيت كثيرا جراء الصدمة النفسية التي ضربتني بسبب تلك الصورة الموجعة، وشعرت بحزن عميق لازمني طويلاً ولا يزال يقض مضجعي ويقطع قلبي”، هكذا تحدث رئيس قسم وحدة الإنقاذ البحري طلميثة، حاتم بالحاج، لمراسلة صحيفة (الأنباء الليبية) في الذكرى الأولى لضحايا إعصار درنة.
وأوضح بلحاج أن منطقة طلميثة، كانت أعلنت حالة الطوارئ القصوى بعد أن اجتاحتها مياه السيول قبل حادثة درنة بسبب تأثيرات العاصفة التي ضربت الشرق الليبي وقتذاك، “ولكن عند علمنا بأعداد الضحايا، وعدد الذين لا يزالون تحت الأنقاض في درنة، تحركنا فوراً لنبقى هناك 24 يوماً وسط عمل متواصل وعمليات نشل للجثث التي انتشرت على طول السواحل الشرقية لبلادنا، وقامت كافة وحدات الإنقاذ على مستوى ليبيا بالإضافة لوحدة الإنقاذ طلميثة بانتشال 680 جثة من البحر ومن البر ومن وسط الركام، وشاركنا أيضا في أعمال الإنقاذ والبحث عن الجثث والمفقودين في مدينة سوسة بعد أن قمنا بتقسيم الفرق ما بين سوسة ودرنة”.
ضرب إعصار دانيال ساحل بلادنا الشرقي، مسبّبا فيضانات كبيرة في درنة، حيث انهار سدّا المدينة، ما أسفر عن حوالي 5.4 آلاف شهيد بحسب الاحصائيات الرسمية وآلاف المفقودين وأكثر من 50 ألف نازح، إلا أن عدد الضحايا لا يزال يثير الكثير من الجدل في الشارع الليبي عموما، والشارع الدرناوي تحديدا، بعد مرور عام عن هذه الكارثة غير المسبوقة في البلاد.
وتابع بلحاج: “كنا نعاني من تداعيات نفسية عنيفة من شدة هول ما رأيناه، كنا نبكي وننهار أثناء عمليات البحث وانتشال الجثث، رأينا جثثا عديدة لنساء وأطفال، وشيوخ”.
وعن الصورة الصادمة والموجعة قال رئيس قسم وحدة الإنقاذ البحري طلميثة، حاتم بلحاج: “من ارتفاع شاهق فوق جرف بمنطقة أم الرزم، التي تبعد عن درنة بحوالي 60 كلم، استطعت أن ألتقط هذه الصورة المؤلمة بهاتفي بعد عشرة أيام من الكارثة، وتبدو في الوهلة الأولى صورة لحطام وجثث تطفو فوق الماء، ولكن عند التمعن فيها نستطيع رؤية جثتين متمسكتين بأيدي بعضهما البعض … لم ولن أنسى هذا المشهد ما حييت”.
وأوضحت الطبيبة الشرعية، صباح القماطي، في تعليق علمي عن هذه الصورة لصحيفة (الأنباء الليبية)، قائلة: ” هناك ظاهرة تعرف بـ “تصلب الجثة”، تحدُث بعد الوفاة بوقت قصير جدا وتقتصر على الوفيات التي تحدث في خضم نشاط بدني أو عاطفي مكثف، وتؤثر هذه الظاهرة على مجموعة من العضلات مثل عضلات الذراع واليد وليس الجسم كله، بسبب بذل مجهود عنيف قبل الموت مباشرة يُمكن أن يعجل بظهور تصلب العضلات”.
وأضافت أن معظم حالات “تصلب الجثة” تحدث بشكل خاص في ساحة المعركة بين المقاتلين، وغالبا ما نراها في الأشخاص الذين يسقطون في الماء أو يسقطون من مكان مرتفع شديد الانحدار مثل الجرف وقد يتمسكون ببعض الأشياء القريبة ويتم العثور على الضحية متمسكة بأي شيء بإحكام بين أصابعها.
وقال رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، كمال السيوي، إن الهيئة أنجزت ما يقارب من 98 في المائة من ملفات أسر ضحايا كارثة إعصار درنة، وإن جهودها مستمرة حتى الآن في التعامل مع هذا الملف.
وصرح السيوي لوكالة الأنباء الليبية (وال) الأربعاء الماضي، بمناسبة قرب إحياء الذكرى الأولى لهذه النازلة، أنّه تم أخذ عينات الحمض النووي من كل الجثامين التي تم دفنها، موضحا أنّ الهيئة التزمت بالقوائم التي أحيلت إليها من مكتب النائب العام.
وأوضح أن ملف ضحايا هذه الكارثة الأليمة ينقسم إلى شقين عملت عليهما الهيئة، يتعلّق الأول، بالملفات التي يتم فتحها من ذوي الضحايا والإبلاغ عن المفقودين في الفيضانات، حيث تم انجاز حوالي 98 في المائة منها، ويخص الثاني التحديات التي تواجهها الهيئة من بعض أسر الضحايا بالامتناع عن فتح الملفات أو لعدم تواجدهم في المنطقة وصعوبة التواصل معهم.(الأنباء الليبية ـ بنغازي) ك و
متابعة: فاطمة الورفلي