بنغازي 10 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية) – وقف الأستاذ السبعيني، عبد المحسن البناني أمام بيته بشارع حشيشة بمدينة درنة مصدوما من هول ما لحق بالبيت من أضرار نتيجة الفيضانات العارمة التي اجتاحت المدينة ليلة 10 – 11 سبتمبر 2023 جراء إعصار دانيال المدمر.
لم يكن البناني متحسرا على فقدان بيته الذي ألحقت به السيول أضرارا كبيرة بقدر تأثره على أرشيفه الخاص الذي يحوي العديد من الوثائق التاريخية المهمة وعمل على تجميعها وفهرستها وتصنيفها وحفظها على مدى سنوات طويلة وكان يعتز بها كثيرا لكونها توثق لفترة زمنية مهمة من تاريخ ليبيا المعاصر وتاريخ مدينه درنة على وجه الخصوص.
رفض البناني لشدة تعلقه بأرشيفه وما يحتويه من وثائق نفيسة مبالغ كبيرة لبيعه وعلى هذه الخلفية التقته صحيفة الأنباء الليبية في الذكرى الأولى للإعصار المدمر ليروي ما لحق به من أضرار نفسية كبيرة جراء فقدانه البعض من أهله في هذه النازلة التي ألمت بمدينة درنة وعدد من مدن الشرق الليبي، وخسارته لأرشيفه الثمين.
وقال: ” فقدت أختي وأبنائهما جراء الفيضانات العارمة، عثرنا على جثة واحدة وأبنائها والثانية جرفتها السيول إلى البحر ونجوت مع أسرتي من الكارثة بسبب تواجدي في مدينة بنغازي للعلاج من تداعيات إصابتي بمرض كورونا”.
وتابع بصوت مثقل بالأحزان مسترجعا هول الفاجعة قائلا: ” أصابت الكارثة درنة في أرواح أبنائها الأعزاء وأصابتها أيضا في موروثها الثقافي وأصابت من بقوا على قيد الحياة في ممتلكاتهم ومدخراتهم وفي أبواب رزقهم وأصبح الوضع في المدينة المنكوبة صعبا جدا في عمومه”.
واستطرد البناني أن الخسائر الكارثية طالت كافة جوانب الموروث الثقافي لدرنة، خاصة المدينة القديمة ومحلات وسط البلاد وسوق الظلام والجامع العتيق وبيت درنة الثقافي والبياصة وسوق الخرازة وسوق الخضرة والأزقة القديمة التي أضحت جميعها أثرا بعد عين.
واستطرد: ” عند عودتي إلى مدينتي بعد النازلة وجدت أن شارع حشيشة حيث أقيم تعرض لأضرار جسيمة وكان بيتي من ضمن البيوت التي طالها الخراب، مردوما بالكامل بالطمي وغير صالح للسكن. ضاعت مقتنياتي التي جمعتها عن والدي وجدي وورثت عنهما هواية التوثيق. كان والدي يوصيني بالاحتفاظ بكل ورقة حتي تذكرة السينما (البوليسة) التي ربما تكون وثيقة ذات يوم ولهذا تعلمت الاحتفاظ بكل شيء”.
وتحدث البناني بمرارة واضحة عن أرشيفه الذي حملته السيول فقال: “الأرشيف الذى كنت أملكه لا استطيع حصره ولا وصفه. لقد كنت حريصا جدا على توثيقه والاحتفاظ بكل ما يخص تاريخ ليبيا ومدينتي درنة على وجه الخصوص وكنت أملك مجموعة لا بأس بها من المخطوطات ورثتها عن أجدادي، من جدي الأول الى جدي السابع، حيث كانوا يقومون بكتابة المعاملات بين الناس لأكثر من 300 سنة وكلها مخطوطات أصلية وليست صور لكنها ضاعت للأسف للشديد”.
وأضاف أن من ضمن الأرشيف أعداد كثيرة من الجريدة الرسمية التي كانت تصدر منذ العهد الملكي وتحتوي على القوانين والقرارات الصادرة من الديوان الملكي، إلى جانب دوريات كانت تصدر بانتظام وجرائد ومجلات مثل الجرائد الرياضية الصادرة من نوادي، الأهلي ودارنس والهلال، وصحف البلديات المؤرشفة بنظام والكتب المدرسية والمناهج القديمة، وجميعها أصول وليست صورا، وعديد الميداليات الرياضية التي كانت تُمنح للطلبة في النشاط المدرسي في فترة الحكم الملكي وتصنع في ايطاليا معزيا نفسه كونه استخرج جزء منها من بين ركام البيت.
وقال البناني في شأن مجموعة الطوابع البريدية الخاصة به: ” كنت من هواة جمع الطوابع البريدية والعملات وتوثيق رسوم الدمغة في العهد العثماني والإيطالي والملكي وفترة النظام السابق وبداية ثورة فبراير، وأملك مجموعة عالمية قيمة بالإضافة إلى الطوابع المحلية الليبية المحفوظة على هيئة كتاب (البومات) وكذلك العملة التي وثقتها بطريقة احترافية وعرضتها في أكثر من معرض واستطعت انقاذ جزء منها لكن أغلبها جرفتها السيول”.
واستطرد أنه وثق المستندات التي تحمل طابع الدمغة على سبيل المثال (طابو بيت أسرته) أي الشهادة العقارية التي صدرت في فترة الاحتلال الإيطالي وهي جزء من التوثيق وليست الهواية الوحيدة له، مضيفا أنه كان يملك مجموعات كبيرة ومتناسقة من طوابع الدمغة التي تعود للعهد العثماني الثاني
وتابع أن مكتبته تحوي أمهات الكتب في التاريخ الليبي إلى جانب المناهج التعليمية في العهد الملكي التي كانت تملأ الحجرة من الأرض إلى السقف. وقال: ” من الأشياء التي كنت أهواها وأعمل على تجميعها الصور والكروت القديمة وكنت أملك مجموعة من الصور القديمة جدا للمدن الليبية مثل بنغازي وطرابلس ودرنة ومن بين الصور صورة لأول حجر أساس وضع لبناء ميناء بنغازي … لقد كنت أملك وثائق ومخطوطات وكتب لا تملكها الدولة “.
وواصل البناني حديثه عن وضعه الحالي بعد عام من النازلة التي حلت بدرنة ومدن الجبل الأخضر مؤكدا بحزن شديد أن بيته لم يعد صالحا للسكن فاضطر إلى النزوح إلى مدينة البيضاء لمدة عشرة أشهر، وعاد مؤخرا بعد أن قام بتنظيف البيت وترميمه، معربا عن رغبته بعرض العملات التي أخرجها من تحت الركام في معرض بعنوان ( أمل من تحت الركام ).
عبد المحسن البناني أب لخمسة أبناء جميعهم تخرجوا من كلية الطب البشري وهو أخ لثمان أخوة، ترتيبه السادس في العائلة، تخرج من قسم الفلسفة جامعة بنغازي وعمل في مجال التعليم، أستاذا لمادة الفلسفة وعلم النفس، وتقلد العديد من المنصب وكان من ضمن المؤسسين لجامعة درنة، وعضوا في مجلس إدارة نادي دارنس، تعود أصول أسرته إلى العائلات الأندلسية التي قدمت من المغرب واستوطنت مدينة درنة.
خلص إلى أن جده كان قائم مقام في العهد العثماني وشغل والده منصب القائم على تسجيل النفوس ببلدية بنغازي في فترة الاحتلال الإيطالي وفي سلك القضاء فترة الانتداب البريطاني وتولي وضيفة الأشغال العامة في درنة وانتقل بعدها إلى إدارة المصرف الزراعي بالمدينة، وشغل كان عمه خليل احمد البناني منصب وكيل الديوان الملكي سنة 1954م ومحافظ مصرف ليبيا المركزي سنة 1961. (الأنباء الليبية).
حوار ومتابعة: هدى العبدلي