درنة 11 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية) _ الكثير من القصص الإنسانية التي وقعت أثناء كارثة درنة ستتناقلها الأجيال القادمة، ولكن للحفاظ على الذاكرة الحية للمدينة كان لابد من توثيق هذه الأحداث وحصرها بين ضفتي كتاب، فمن خسرناهم ليسو مجرد أرقام تتداولها المواقع الإخبارية بل هم أُناس عاشوا بيننا وكانت درنة عامرة بهم، رحلوا وتركوا آلام وأحزان لا تمحوها السنين.
الكاتب عبد الفتاح الشلوي ابن المدينة الزاهرة وثق مايمكن توثيقه من قصص عاشها أهالي المدينة ليلة الفاجعة، في كتاب اسماه (فيضان درنة بين البحر والسدين).
_ البداية
(أربع أيام بعد الفيضان أسميتها مرحلة الانكسار والإنكفاء على الذات، مرحلة اللاوعي بما حدث وكأنك في كابوس تحاول الهروب منه ووجدته واقعا أمامك).
هكذا بدأ الشلوي حديثه لصحيفة الأنباء الليبية عن كتابه منبشا في ذاكرته قائلا: استجمعت قواي وحاولت الرجوع إلى الماضي واستحضار الفترة الزمنية من 1941م إلى 2024م، هذه المدة شهدت فيها مدينة درنة عدة فيضانات ولكنها للأسف لم توثق، بالرغم أن أكبر فيضان حدث عام 1959م كانت فيه خسائر بشرية ومادية، عدى بعض الشهادات الحية التي نقلتها من بعض الشهود العيان وذكرتها في كتابي السابق وهو (حكايات المدينة القديمة) الذي صدر عام 2022م.
وتابع الشلوي: بعد الأيام الأربع الأولى الفاجعة “دانيال” جاءت فكرة الكتاب وأخذت القرار بتوثيق هذه الحادثة الكبيرة في الخسائر وردات الفعل على المستويين المحلي والعالمي، فبدأت بتجميع أي معلومة تردني، وتطلب مني هذا العمل أكثر من 10 ساعات في اليوم الواحد بل صلت إلى 16 ساعة في بعض الأحيان.
_ العنوان
وحول اختيار عنوان الكتاب ذكر الشلوي: العنوان جاء بعد تمحيص وتفكير وأخذ وعطاء مع الأصدقاء لمدة 4 أو 5 أشهر، خرجت بعدها بعنوان (فيضان درنة بين البحر والسدين) وقصدت هذا العنوان لأنه يدل على محتوى داخل الكتاب، لأن الفيضان لم يكن معلوما لدى أهل درنة أو حتى للسلطات، فمن أين سيأتي الفيضان؟ هل من الشمال (البحر) أو من الجنوب (السدين)، فهو يفسر حالة الجهل بالمعلومة وعدم التقييم العلمي الحقيقي للمتوقع.
_ التفاصيل
الكتاب تكون من 572 صفحة شملت 22 فصل و220 عنوان جزئي ومايقارب 200 هامش تفصيلي في بدايته تم التطرق إلى البقعة والمكان وموقع المدينة وارتفاعها والجبال المحيطة بها، مرورا بالوادي من حيث مساحته واتساعه وعديد المعلومات عنه.
يبدأ وادي درنة من جنوب مدينة القبة مكان تجمع المياه وتسير حول الشعاب لتصب في الوادي ومنها إلى البحر بحوالي 75 كم.
_ أقوال موثقة
ومن الخبراء الدوليين الذين وثق الشلوي أقوالهم في الكتاب الخبير الأردني الدكتور رضوان وشاح الذي قال إن مدينة درنة استقبلت 85 مليون متر مكعب أي أن تدفق المياه كان بمعدل 11000متر مكعب في الثانية، إضافة إلى الباحث الليبي سالم الهنداوي الذي أوضح أنها كانت بمعدل 8000 متر مكعب في الثانية، بينما مركز الأرصاد الجوية كان توقعه إن الكمية المتوقعة من 75 إلى 175ملم ولكنها سقطت في الواقع 427 ملم.
واصل الكاتب سرده لتفاصيل كتابه (فيضان درنة بين البحروالسدين) قائلاً: ذكرت بالتفصيل أن الشعب الليبي وقت السعة غير الشعب الليبي فالضيق أي وقت الأزمات، وهذا ما حدث فعلا فقد سقطت كل الأمور السياسية التي كانت تفرق بين الليبيين، جاءوا إلى درنة من جميع المناطق الليبية حاملين الماء والأكل والشراب والأغطية والخيام والعتاد وغيره إلى جانب الأطباء والمهندسين مبينا أنه لم يغفل المظاهر السلبية التي اسماها وليمة القيه والدم مثل عمليات السرقة والتعويضات التي أُخذت دون استحقاق.
وعرج في كتابه على البنك الدولي وكيف وصف الحادثة بقوله إن عاصفة “دانيال” تعد أكبر كارثة مائية زهقا للأرواح في قارة أفريقيا منذ العام 1900م أي من 125عاما.
_ التحديات
وبين أن من الأشياء المشجعة التي ذكرها في كتابه أنه هناك بعض المنازل صالحة للسكن ولكن المشكلة الكبرى أن الطمي وصل للدور الخامس نتيجة ارتفاع المياه عند السد 75 متر، تارك أثرا فوق السد في باطن الجبل على ارتفاع 28 متر، وهذا معناه أن ارتفاع المياه كان 103 أمتار وهذا المؤكد.
بعد فقدان أهالي المدينة فقدت معهم الأوراق الثبوتية والأموال، وقد طلبت العمالة الأجنبية مبالغ ضخمة وصلت إلى 6500 دينار لتنظيف الطمي، فشكل مجموعة من شباب درنة عددهم 300 (كتيبة البراويط)لتنظيف المنازل مجانا (حسب ما ذكر الكاتب).
وأشار الكتاب في أحد الفصول إلى أن الفيضان كان رهيبا جدا أبطل وحدة القياس والرياضيات والفيزياء وغيرها، لأنه كان يتلاعب بالجرافات والشاحنات الكبيرة كأنها لعب أطفال.
_ دانيال
ضرب إعصار “دانيال” الكثير من المدن والقرى في الجبل الأخضر مخلفات ورائه أضرارا جسيمة، مثالا عليها قرية الوردية التي تضررت وشبه اختفت بالكامل.
واجهت السلطات هذا الإعصار بالإمكانيات المتاحة لديها، واتخذت في اللحظات الأولى للإعصار تدابير احترازية من إخلاء للمناطق المجاورة للبحر من الجبيلة إلى كرسة، لأن المتوقع كان خروج البحر إلى اليابسة.
استطرد الشلوي حديثه قائلا: ذكرت فالكتاب أسماء 640 من محلات البقالة والورش الزراعية والميكانيكية والمستشفيات والصيدليات وقاعات حلاقة التي تم تدميرهم نتيجة الفيضان، كما حصرت عددا من الشهداء وليس كلهم فقد حصرت كتوثيق خاص بي 3270 شهيد.
وتابع: وثقت شهادات حية لأناس كانوا في الجبيلة وفي الضفة الغربية والشرقية لدرنة وفي وسطها وفي ذيل الوادي، وهذه الشهادات نقلتها وكالات الأنباء والصحف العالمية، وتواصلت مع عدد من المتضررين وسجلت معاناتهم وسردهم ووصفهم لهول الكارثة، منها الصبي الذي تم العثور عليه بعد ثلاثة أيام مردوما فوق نخلة، والرجل الذي كان يمد الحبل لزوجته وطفليها لإنقاذ ها، وغيرها الكثير من القصص.
_ مشاركة إعلامية وفنية
وحول وسائل الإعلام والوكالات التي حضرت للمدينة لتغطية الكارثة أوضح: أن فقرات الكتاب تتضمن لقاءات وتسجيلات معهم.
تطرق عبد الفتاح في كتابه لفرقة مسرحية من درنة قدمت مسرحية في العاصمة طرابلس ديسمبر الماضي، وكان معد المسرحية نزار الهندي فاقدا لزوجته واثنان من أولاده، ولكن حضر لطرابلس برسالة مفادها “أن المسرح ولد في مدينة فهي مدينة المسرح والفن والثقافة وهي مدينة لا تنكسر أمام العواصف.
واختتم الشلوي حديثه الأنباء الليبية بقوله: بدأت درنة تتعافى وبدأ فيها الإعمار والمشاريع الكبيرة، وستكون درنة مدينة رائعة ومن الممكن القول إن هذا هو الجانب الإيجابي للفيضان رغم فقدنا لآلاف الشهداء، ولكن هذه أقدار من الله ولا اعتراض على حكمه.
صدر للكاتب عبد الفتاح الشلوي 3 كتب (أسرار تحت قبة البرلمان 700 يوم بالمؤتمر الوطني العام) و (حكايات المدينة القديمة) وآخرهم كتاب (فيضان درنة بين البحر والسدين)
الجدير بالذكر أن كتاب أخرى يُجهز حاليا للكاتبة مروة فرج الوزاري بعنوان (كي لا ننسى درنة) مزود بصور من الذكاء الصناعي، مقتبس من قصص حقيقية أبطالها نجوا بأعجوبة، سيتم نشره في المكاتب الليبية والعربية قريباً بإذن الله. (الأنباء الليبية _ درنة) هــ ع
متابعة:
هدى العبدلي
علي بوسنينة