زلطن 16 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية)- جهزت ابتسام الهادي حقيبة المولود بكل محتوياتها بمساعدة أختها، عشية موعد إجراء العملية القيصرية لإنجاب مولودتها الخامسة في مستشفى زلطن القروي، وأعدت لنفسها حقيبة بها بطانية وشرشف ووسادة ومستلزمات نسائية، وأوصت زوجها ألا ينسى التأكيد على المتبرع بالدم ليكون في الموعد وشراء كافة الأدوية التي طلبتها الطبيبة (التغذية والحقن والمضادات الحيوية ولوازم العملية الجراحية).
لا يتوفر قسم الولادة في مستشفى زلطن القروي (حوالي 120 كلم غرب طرابلس)، إلا على السرير والطبيبة الوحيدة في قسم النساء وأربع ممرضات، وبالتالي يتعين على المرأة أن تجلب معها كل شيء أو تضطر للذهاب إلى عيادة خاصة تُكلف مبلغا لا يقدر عليه السواد الأعظم من المواطنين.
وقال زوج هذه السيدة لموفدة صحيفة (الأنباء الليبية)، خالد بعاير: “لقد صادف أن جئت (موفدة الصحيفة) إلى هنا في هذا اليوم الممطر لتسجلي بنفسك تسرب المياه إلى المستشفى وغياب المسؤولة عن النظافة، كما قيل لنا… إنه وضع مؤسف ونحن في قرية صغيرة نعرف بعضنا بعضا ونعرف أن هذه السيدة تعمل بدون مقابل منذ حوالي سبع سنوات بسبب مشكلة بين مراقبة الصحة ووزارة المالية، ولديها عائلة لتنفق عليها في هذا الوضع الصعب”.
وأضاف بعاير أن المستشفى لا يتوفر على أية إمكانيات، لا توجد به أدوية ولا حقن وكافة المستلزمات الخاصة بالعملية اشتريتها من صيدلية خاصة وكلفتني حوالي 400 دينار مشيرا إلى أن الطبيبة تأتي من مستشفى آخر لإجراء العمليات.
واستطرد أن الممرضات، هن من سكان قريتنا، ونعرف أنهن لم يتقاضين مرتباتهن لفترة طويلة ويُواصلن العمل لرعاية نساء منطقتهن، مشيرا إلى أن مبنى المستشفى القروي بزلطن لا يشتمل إلا على أربع غرف للتوليد.
واستطرد: “زوجتي في حالة وضع اليوم بهذا المستشفى الذي لا يتوفر على أية أدوية ولا يقدم الرعاية الصحية الحقيقية والآمنة وسبل الراحة للمريضة وللأطفال حديثي الولادة”، متسائلا أين أجهزة الرقابة وأين المسؤولين عن قطاع الصحة للقيام بواجبهم؟
وأفادت الطبيبة عفاف حسن العائب (37 عاما) متخصصة في أمراض النساء والتوليد، أن قسم التوليد بمستشفى زلطن القروي يستوعب أربع حالات ولادة في اليوم ويتوفر على معدات حديثة إلا أنه لا يتوفر على الأدوية اللازمة محملة التقصير في هذا الخصوص إلى جهاز الإمداد الطبي.
واشتكت العائب في تصريح لمراسلة صحيفة (الأنباء الليبية) من أن المستشفى غير قادر على توفير ما تحتاجه المرأة التي تُجرى لها عملية قيصرية من أدوات التعقيم والحقن والأدوية وغيرها، وبالتالي يضطر الطبيب أن يطلب من زوجها إحضار هذه المستلزمات من الخارج.
من جهتها قالت الممرضة حواء خليفة العاملة في مستشفى زلطن (الأوتاد) القروي، بقسم النساء والولادة إنها وسائر العناصر الطبية يعملن طوال اليوم بدون مرتبات شهرية منذ افتتاح المستشفى ولا يستطعن الغياب أو التوقف عن العمل من أجل خدمة الحالات المرضية لأبناء المنطقة.
وأوضحت أن مدير المستشفى، عند مراجعته، يؤكد أن السبب يعود إلى وزارة الصحة التي لم تتابع موضوع تأخر صرف المرتبات الخاصة بالعناصر الطبية التابعة لمستشفى الأوتاد القروي بزلطن، من أخصائيين وفنيي مختبرات وفنيي تخدير وتمريض، مع وزارة المالية.
وقالت إن افتتاح مستشفى الأوتاد القروي في مدينة زلطن كان بادرة جيدة وخفف العبء عن المستشفيات في المناطق المجاورة، رقدالين والجميل، وجنب المرضى قطع مسافات طويلة خاصة ما يتعلق ببعض الحالات التي تستلزم التدخل العاجل.
وناشدت حواء خليفة وزارة الصحة والجهات المختصة أن تنظر في حل مشكلة المرتبات التي لم تُصرف منذ افتتاح المستشفى في منتصف ديسمبر 2022 مؤكدة أن هذا التأخير سبب الكثير من المعاناة لأسر العناصر الطبية.
وتابعت “أنا إحدى الفنيات في مستشفى الأوتاد القروي وأعمل منذ 2019 في مجمع العيادات حيث كان الوضع جيدا، وانتقلت إلى المستشفى القروي في ديسمبر من عام 2022 غير أنني لم أتقاض أي مرتب حتى الآن رغم أنني أترك أطفالي في المنزل ولم أنقطع عن العمل لأني أعلم أن هناك مرضى من أهلي في زلطن محتاجين إلى الرعاية الطبية، وأعمل بالتناوب في العطل والأعياد. أنا ممرضة أؤدي عملا إنسانيا لا أعمل مدرسة أو في السجل المدني، ساعتين في اليوم، معرضة لخطر الإصابة بالعدوى وقد أنقلها إلى أهلي ومع ذلك لا أتحصل على مرتبي، وهذا وضع غير طبيعي، وعليه أتوجه من خلال منبركم إلى وزارة الصحة لتنظر في حل مشكلة مرتبات العناصر الطبية في هذا المستشفى القروي”.
ويعاني قطاع الصحة في ليبيا منذ عقود من تحديات عميقة ومعقدة ومشاكل يغلب عليها الفساد في إدارة الأموال الطائلة المخصصة لهذا القطاع الهام ومن اختلالات لا حصر لها، ناهيك عن تراجع قدرات المنظومة الصحية في بلادنا، حيث تفتقر المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية إلى المستلزمات الصحية لتقديم الخدمات الضرورية للمرضى في المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي وسبها، فما بالك بالمستشفيات القروية.
وتؤكد دراسات فنية محلية ودولية أن طريقة تمويل قطاع الصحة في ليبيا خاطئة علاوة على الصراعات السياسية والانقسام السياسي الذي أثر على كافة القطاعات الاستراتيجية خاصة التعليم والصحة والكهرباء، وفاقم معاناة الليبيات والليبيين التي طال أمدها. (الأنباء الليبية) ص و
-متابعة وتصوير: ساسية اعميد