بنغازي 19 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية) ـ “يا أستاذة الوضع صعب جدا” بهذه العبارة وجّه رجل ستيني حديثه إلى مراسلة صحيفة الأنباء الليبية عندما علم بأنها قدمت لإجراء تغطية حول أوضاع مستشفى النفسية ببنغازي واللقاء بإدارته.
يتابع الرجل: “لا توجد أدوية.. هناك عائلة كاملة تقف في الطابق الأرضي في انتظار الحصول على الدواء، لكن دون جدوى، ماذا ستفعل كيف لها أن تتعايش مع هذا الوضع؟!”.
في هذا الصدد يقول مدير المستشفى فرج المهدوي: “هناك صعوبات كثيره تواجهنا منذ عدت سنوات، لكنها تفاقمت الآن لدرجة لا يمكن السكوت عنها”. ويضيف: “خاطبنا كل الجهات الرسمية ذات العلاقة، ولكن للأسف وعود فقط دون أي نتائج”.
مستشفى النفسية بنغازي هو المستشفى التخصصي الوحيد في الأمراض النفسية الموجود في شرق ليبيا ويستقبل آلاف الحالات على طول العام.
يقول المهدوي: “المستشفى هو مسؤول الوحيد عن علاج مئات المواطنين بقسم الإيواء وعشرات الآلاف من المترددين طوال العام من جميع أرجاء ليبيا”.
ويضيف: “تعاني مستشفى النفسية منذ عدة أشهر نقص الأدوية”. ويتابع: “خاطبنا عدة جهات مسؤولة عن توريد الأدوية للمستشفى ولازلنا ننتظر”.
معاناة إنسانية
الدواء وحده هو ما يخفف عن فاطمة (65عاما) معاناتها المستمرة منذ سنوات، لكنها الآن في وضح حرج جدا بسبب صعوبة حصولها على الأدوية.
تتحدث فاطمة لمراسلة “الأنباء الليبية” عن آلامها، قائلة: “أتناول الدواء النفسي منذ 25 عاما وأنا من المترددين على المستشفى النفسية بنغازي”.
وتتابع بأسى: “توفي ابني وعمره 24 عاما.. لم أحتمل فراقه فأصبت باكتئاب حاد وأصبحت أعاني من قلة النوم والفزع والخوف من الموت.. وكدت أفارق الحياة من التعب”.
وتضيف فاطمة: “الأطباء هنا شخّصوا حالتي بأنها “انفصام وجداني”.. خضعت لفترة لعلاج مكثف حتى تحسنت واستقرت حالتي، ومن ذلك الحين وأنا مستمرة في تناول الدواء”.
وعن مخاوفها تقول بقلق شديد لـ “الأنباء الليبية”: “في حال عدم تناولي للدواء تزداد حالتي سوء.. وهذا ينعكس كذلك على حالة أسرتي النفسية”.
وحول هذا يقول مدير المستشفى: “كان لدينا مخزون احتياطي لكنه صُرف في أعقاب كارثة الفيضانات العام الماضي، لكن للآن لم يتم تعويضنا وتم تبليغ الجهات المختصة”.
ويضيف: “الآن أمامي أيام فقط قبل أن يقع المحظور وتخرج الأمور عن السيطرة من انتكاسات صحية وانهيارات عصبية وتأزم للحالات النفسية وضياع جهود تأهيل وعلاج استغرق لسنوات”.
تصرف الأدوية النفسية بوصفة طبية وكتيب خاص بالمترددين، ولذلك هذا النوع من الأدوية لا يباع في الصيدليات الخاصة خشية أن يساء استخدامها من قبل أشخاص آخرين.
وعن هذا الأمر، يحدثنا مدير المستشفى، أن الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية تم سحبها من جميع الصيدليات الخاصة من قبل الجهات المختصة.
ويقول: “المريض يأتي ليتحصل على الدواء من المشفى؛ فلا يجده.. أين يذهب؟.. نحن مقيدين في الشراء ومقيدين حتى في أخذ الهبات من أي جهة كانت.. لا نشتري أي دواء إلا بأذن مسبق وليس لدينا أموال ولا إذن للشراء ولا دواء ولا يوجد من يقوم بذلك الدور!”.
يشفى المريض النفسي بعد تلقي العلاج المناسب ويمكن أن يعود بعدها إلى ممارسة حياته الطبيعية مع المحافظة على تناول الدواء بانتظام.
وعن الآثار المترتبة عن نقصان الأدوية، يقول الاختصاصي النفسي والاجتماعي خالد عطية: “إن المرضى الذين يعانون من الاضطراب النفسي والعقلي يلزمهم تناول الأدوية بشكل مستمر، والتوقف عنه يزيد من معانتهم”.
ويؤكد عطية بأن، “هذه المعاناة تمتد إلى أسرهم، ولذلك وجب على المسؤولين الاهتمام بهذه الشريحة وتوفير أدويتهم بشكل مستعجل وبكل الوسائل”.
أُسر تهجر مرضاها
وفيما يتعامل مستشفى النفسية بنغازي مع النقص الحاد في الأدوية وتدني مستوى الخدمات، كشف مدير مستشفى الأمراض النفسية عن معاناة أخرى متمثلة في وجود نزلاء داخل المستشفى هجرتهم أسرهم على الرغم من أن بعضهم قد “تعافى من المرض”.
ويقول المهدوي: “لدينا 80 حالة نزيلة تمّ شفائها، لكن للأسف إلى الآن ترفض أسرهم استلامهم”.
ويضيف: “هناك أشخاص منذ 18 عاما مقيمين بالمستشفى، ورغم أنهم أصحاء الآن، لم تأتي أسرهم لاستلامهم!”. ويتابع: “لدينا 35 سجينا يقضون محكوميتهم داخل المستشفى، وهؤلاء جميعا والمرضى الآخرين يتكفل المستشفى بعلاجهم وإطعامهم وإيوائهم بالكامل بإمكانياتنا البسيطة والمحدودة والتي تكون أحيانا معدومة”.
يشتكي المرضى وأهلهم من سوء الوضع الخدمي داخل أقسام الإيواء بالمستشفى. وفي هذا الصدد يقول المهدوي: “نعم الوضع سيئ وقد خاطبنا مرارا الجهات المختصة، لكن دون جدوى”.. “المستشفى تحصل على صيانة جزئية العام الماضي، لكنه في حاجة ملحة لصيانة عدة أقسام”.
ومن جهته يقول سعيد المشاي مدير إدارة الشؤون الطبية ونائب مدير المستشفى: “نحن بين المطرقة والسندان.. الدولة من جهة لا تقدم لنا أي نوع من الدعم ومن جهة أخرى المواطن لا يساعد”.
ويضيف: “نحن غير ملزمين ببقاء المريض بعد أن يكمل فترة العلاج.. قدرتنا الاستيعابية محدودة ولم يتم تطوير المستشفى”.
ويواصل المشاي: “نحن نتعرض للاعتداء من قبل بعض الأهالي عندما نرفض إدخالهم ونحتاج إلى حماية أمنية لضبط المستشفى”.
ويقول مدير إدارة الشؤون الطبية: “نحن نعاني من عدم توفر المياه.. نقوم بجلبها بسيارات نقل المياه.. خط المياه الخاص بالمستشفى تمّ الاستيلاء عليه وتحويله إلى مزارع وجهات أخرى.. الوضع مزرٍ.. 300 نزيل يعانون”.
وفي ظل المشاريع العمرانية التي تنفّذها الحكومة الليبية من خلال صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا، يناشد القائمون على المستشفى بضرورة التدخل السريع لتدارك الوضع قبل انهياره بالكامل. (الأنباء الليبية بنغازي) ف خ
تقرير: أحلام الجبالي
تصوير: محمد فليفل