درنة 29 سبتمبر 2024 (الأنباء الليبية) -بين أنقاض مدينة درنة، حيث لا تزال آثار الإعصار “دانيال” واضحة، برزت قصص إنسانية مؤثرة تؤكد على قوة الإرادة والعزيمة. فطلاب الجامعة، الذين أطلقوا على دفعتهم اسم “عودة الأمل”، أثبتوا للعالم أن الروح البشرية لا تنكسر.
فرغم فقدانهم لأحبائهم وتحدي الصعاب، تمكنوا من تحقيق حلمهم بالرغم من كل الظروف، هذه القصة ليست مجرد حدث محلي، بل هي رسالة أمل للعالم أجمع، تؤكد على أن الإنسان قادر على النهوض من جديد مهما كانت الظروف قاسية.
-رغم الجرح درنة تحتفل
في مشهد مؤثر، احتفلت مدينة درنة بتخرج أول دفعة جامعية، فبعد أن شهدوا دمار مدينتهم وفقدان أحبائهم، تمكنوا من العودة إلى مقاعد الدراسة والتخرج، ليثبتوا للعالم أن الإرادة البشرية أقوى من أي كارثة، هذا الإنجاز ليس مجرد حدث أكاديمي، بل هو انتصار للإرادة البشرية، ففي ظل الدمار والخسائر، أثبت طلاب جامعة درنة أن التعليم هو الاستثمار الأهم في المستقبل، وهو السبيل لبناء مجتمع قوي ومتماسك.
-تحدي الصعاب
في أعقاب كارثة الإعصار التي ضربت مدينة درنة، واجه طلاب الجامعة تحديات هائلة لإكمال دراستهم، حيث تصف منية فرج الشاعري، إحدى الطالبات، تلك الفترة بأنها كانت صعبة للغاية، حيث عانت العائلات من ويلات الكارثة، وتطلب الوصول إلى الجامعة وقتا وجهدا كبيرين، وتصل المدة الزمنية للوصول إليها ست ساعات
وتضيف منية: كنا ندخل الجامعة ونحن نحمل هموم المدينة، ونناقش مشاريع تخرجنا فوق الركام.
هذه الكلمات تعكس صمود وإصرار هؤلاء الطلاب على مواصلة دراستهم في ظل ظروف قاسية، وتؤكد على أهمية التعليم في بناء المجتمع، وعلى الإبداع والإصرار الذي تميز به هؤلاء الطلاب في إنجاز مشاريع ت تكن خسائر الإعصار مادية فحسب، بل امتدت لتشمل الجانب التعليمي والاجتماعي، حيث فقدت العديد من المشاريع دفعتها بسبب فقدان أعضاء الفريق، ومن بينهم منية التي فقدت شركاءها الثلاثة، بما في ذلك المتفوق الأول في الخريجين بدفعتهم.
-حكاية عزيزة
في مشهد مؤثر، وقفت روند أبريك بودراعة على منصة التخرج، وهي تحمل في قلبها مزيجا من الفرح والحزن، ففي الوقت الذي تحتفل فيه بإنجازها العلمي، تتذكر صديقتها العزيزة “عزيزة” التي فارقت الحياة بسبب الإعصار.
كانت روند وعزيزة توأما روحيا، قضتا سنوات الدراسة معا، وتشاركتا كل لحظة سعيدة وحزينة.
تقول روند بحزن: “هذا الاحتفال مبهج ويبعث على الفخر، لكن اسمه “عودة الأمل” يبدو وكأنه يضع على عاتقنا مسؤولية إعادة المدينة التي باتت تتنفس بصعوبة، وهي تعايش ذكريات الفقد بعد الفيضان.
وأضافت: لم تكن كارثة الإعصار مجرد حدث طبيعي، بل كانت اختبارا حقيقيا لصمود المجتمع في درنة”.
فبينما كانت المدينة تعاني من الدمار والخراب، فقدت العديد من الأسر أعزاءها، ومن بينهم عزيزة التي كانت صديقة روند المقربة، وحيث تتأثر حياة الإنسان بشكل كبير بالأحداث المؤلمة التي يمر بها، كففقدان صديقة مقربة في مثل هذه الظروف الصعبة، ليترك أثرا عميقا في النفس.
تقول روند: “سأزورها قريبًا وأضع قبعة التخرج وإكليلا من الزهور على قبرها”، هذه الجملة تعكس مدى عمق العلاقة التي كانت تربط بين الصديقتين، وكيف أن فقدان عزيزة ترك فراغا كبيرًا في حياة روند التي فارقتها إلى الأبد.
ورغم أن الفرحة أثقلت روند بتفوقها، لكن حزن فقدان صديقتها عزيزة، التي كانت تتمنى أن تشهد هذا الإنجاز، عندما طلب والد عزيزة منها قبل الكارثة أن تكون الأولى على الدفعة، وهي وعد وفته روند، لكن الفرح ناقص، ومثلت قصتها الحنين، والألم، والقوة في مواجهة الفقد.
-ذكرى مؤلمة
درنة، المدينة التي نشأت وترعرعت فيها آية فرحات، تحولت بين ليلة وضحاها إلى ذكرى مؤلمة، ورغم جهود إعادة الإعمار الواضحة التي لا يمكن إنكارها، إلا أن صورة المدينة القديمة لا تزال حاضرة في ذاكرتها بوضوح شديد.
مازالت تتذكر كل زاوية وركن، كل شارع وزقاق، وكأنها عادت بالزمن إلى الوراء، ولكن عندما تضع قدمها على أرض الواقع، تشعر بصدمة عميقة، فالمدينة التي كانت تعرفها لم تعد موجودة. كل خطوة تخطوها الآن هي تذكير بأيام مضت، أيام كانت مليئة بالفرح والأمل، هكذا وصفت آية شعورها تجاه مدينتها التي دمرت.
-الزيارة الأخيرة
لم تزل ذكريات زيارتها الأخيرة لدرنة قبل شهر واحد من وقوع الكارثة محفورة في ذاكرته، وكأنها كانت وداعا أخيرا للمدينة.
هكذا تصف سالمين حسين ما شاهدته بعد الإعصار بقولها: “لقد صافحت درنة قبل أن يعبث بها دانيال، فشوه معالمها ومسخ ملامحها، لم تعد الزاهرة التي عرفناها، بل تحولت إلى مدينة مكبلة بالحزن”.
تلك الكلمات تحمل في طياتها مرارة الفقدان، فالإعصار لم يدمر المباني والأحياء فحسب، بل اقتلع من جذورها الحياة التي كانت تزين شوارعها. لم يعد بإمكانه التعرف على تلك المدينة التي كانت تمتلئ بالنشاط والحيوية، فقد تحولت إلى مدينة أشباح.
تضيف سالمين: “أبواب كثيرة أصبحت ذكريات، وبيوت عديدة اختفت كأنها لم تكن، كل شيء تغير في لمح البصر، لم يعد هناك رنات على الأبواب، ولا أصوات الضحكات التي كانت تملأ الأزقة”.
لقد فقدت درنة بريقها، وتحولت إلى مدينة باكية تئن من الألم، لم تعد مجرد مكان، بل كانت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس، جزءا من ذكرياتهم وأحلامهم، والآن، وبعد هذه الكارثة، أصبح من الصعب تصور كيف ستعود الحياة إلى طبيعتها، وكيف سيتمكن الناس من تجاوز هذا الألم العميق، وستعود الحياة إلى طبيعتها، وكيف سيتمكن الناس من تجاوز هذا الألم العميق.
-شواهد للأحبة
في يوم تخرجها، وقفت نهى على مسرح الحياة، تحمل في يدها شهادة التخرج، وفي قلبها جرحا نازفا، فقدت عائلتها وأحبائها في كارثة طبيعية هزت المدينة، وحولت حياتها إلى كابوس.
لتخلد ذكرى أحبائها، وضعت نهى بطاقتين على مقعدين فارغين في الصف الأمامي، كانت هذه البطاقات شاهدة على حبها العميق لهم، وعلى الأمل الذي مازال يضيء في قلبها.
-عودة الأمل
لم تكن “عودة الأمل” مجرد حفل تخرج تقليدي، بل كانت وقفة حداد على أحلام ضاعت في كارثة دمرت أكثر من مجرد بيوت، لقد كانت صرخة صامتة من شباب حملوا على أكتافهم أوزارا ثقيلة، فقدوا عزيزا، أو منزلا، أو ذكريات طفولة.
تخرج هؤلاء الخريجون من بين أنقاض أحلامهم، حاملين شهاداتهم كشواهد على صمودهم، كل ورقة في شهاداتهم تحمل حكاية كفاح، كل كلمة تردد صدى لآهات وأنين، لم يكونوا مجرد خريجين، بل كانوا شهودا على قوة الحياة التي تتجدد حتى من بين الأنقاض.
في عيونهم، ترى بريق الأمل يخترق ظلمات اليأس، هم كالفراشة التي تخرج من شرنقتها لتواجه عالما جديدا، يصرون على أن يعيدوا بناءه، شهاداتهم ليست مجرد أوراق، بل هي بوصلة توجههم نحو مستقبل مجهول، مستقبل يبنونه بأيديهم وعقولهم.
إنهم يذكروننا بأن الإنسان أقوى من أي كارثة، وأن الأمل هو آخر ما يفقد. ففي خضم الألم والخسارة، يظل الأمل شمعة تضيء الدرب، وتهدينا إلى بر الأمان.(الأنباء الليبية درنة) س خ.
-متابعة:هدى االشيخي
-تصوير: وليد الحفار