درنة 02 أكتوبر 2024 (الأنباء الليبية) – في وسط مدينة درنة وبالقرب من مسجد الصحابة أحد أبرز معالم المدينة وقف مدير مشروع جسر الصحابة، المهندس فتحي أحمد، ليتفقد فريق العمل المكلف بمد شبكة حديد التسليح الخاصة بجسر الصحابة أحد مجموعة الجسور التي بدأت تنتصب في مدينة درنة.
وأوضح المهندس فتحي أحمد أن مجموعة الجسور الجاري تنفيذها بالمدينة تحت إشراف صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا والتي ستساهم بشكل كبير في تسهيل حركة التواصل والتدفق المروري بين غرب وادي درنة وشرقه.
ونوه المهندس فتحي أن جسر الصحابة يبلغ طوله 325 مترا بارتفاع 16 مترا ويتكون من اتجاهين بحارتين في كل اتجاه وتم تصميمه وفق المعايير والمواصفات الحديثة.
وفي مكان غير بعيد عن جسر الصحابة، يراقب مدير مشروع كورنيش درنة، محمود السيد، حركة المهندسين والعمال في تنفيذ طريق الكورنيش المزدوج والممشى السياحي بطول 6 كلم، والذي سيعيد للواجهة البحرية لمدينة درنة بريقها الذي دمره فيضان الماء والطين وألقى بها إلى البحر.
بعد مرور عام عن الفاجعة التي ألمت بليبيا في درنة ومدن الجبل الأخضر ليلة 10 إلى 11 سبتمبر 2023 والتي أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، تحولت مدينة درنة الزاهرة إلى خلية نحل لعشرات المشاريع العملاقة لإعادة الإعمار، تنبت فوق الهضاب ووسط الشوارع وعلى جوانب الوديان وفوقها.
في شارع الفنار، الذي يبعد 200 متر عن ذيل الوادي و800 متر عن ميناء درنة وهو أحد الشوارع الرئيسية التي جرفتها السيول بالكامل، وأمام مدرسة النصر التي أعيد بناؤها، قام أحد السكان بإعادة مشهد الزهور المتدلية من شرفات بيته وتزيين الواجهة الأمامية للتعبير عن استمرار الحياة رغم الأوجاع والآلام التي سكنت قلوب أهالي المدينة المنكوبة.
كل من يمر بمدينة درنة سيشاهد مئات شاحنات النقل الثقيل والشاحنات العملاقة الخاصة بالطرق الجبلية تجوب شوارع المدينة التي بدأت تدريجياً في التعافي من أهوال الكارثة وسيلاحظ وتيرة العمل المتسارعة في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار التي يتواصل فيها العمل على مدار الساعة لتجاوز مشاهد الدمار الصادمة ومحاولة ترميم صدوع الذاكرة لسكان درنة.
عند مدخل المدينة الغربي ينتصب جسر وادي الناقة الفولاذي، وهو الجسر الذي يربط درنة بالمدن المجاورة وقد صمم بحسب القائمين على المشروع على شكل قوس على غرار الجسر القديم الذي تم بناؤه في ثلاثينيات القرن الماضي، في مسعى لربط الماضي بالحاضر واستشراف الغد الزاهر.
اختفت مساحات واسعة من مدينة درنة بما فيها المدينة القديمة إلى درجة أن الكاتب والمسرحي والشاعر، ابن درنة، أحمد بللو، قال في حوار مع صحيفة (الأنباء الليبية) في الذكرى الأولى لفاجعة درنة “كيف لي أن أسير في درنة ولم تعد كما كانت.
يقول بللو : لقد كان لي في كل شارع صديق، صاحب، عزيز، ومعالم وذكريات طفولة، كلها اختفت، حملتها الرياح العاتية والفيضان الهادر إلى المجهول”.
أتى الفيضان على درنة العتيقة ومبانيها التاريخية حيث كان التاريخ يقف ليروي قصة درنة واقتلع موروثها الحضاري وألقى به في البحر ما ضاعف صدوع الذاكرة والوجع والألم لدى “الدراونة” الذين لا يوجد بينهم أحد إلا وفقد حبيبا قريبا، جارا كريما، صديقا عزيزا، وعزاؤهم الوحيد أن الطبيعة بشراستها أحيانا تفعل ما تريد، وهذا ديدنها حيث مسحت عبر التاريخ القديم والحديث، مدنا وقرى في قارات العالم الخمس. وفي ليبيا على سبيل المثال ضربت مدينة المرج بالزلزال المروع مساء يوم الخميس 21 فبراير 1963، وهي المدينة التي أصبحت أطلالا بعد أن هجرها سكانها.
يحق لأهل درنة أن يبكوا مدينتهم العتيقة ومعالمها التاريخية التي جرفها فيضان الماء والطين إلى البحر ولكن لا بد للحياة أن تستمر، ومن هنا تحولت درنة بالكامل إلى ورشة عمل عملاقة وغير مسبوقة يقوم عليها صندوق إعادة إعمار درنة والمدن والمناطق المتضررة، إلا أن هناك من لم ترق له هذه الجهود لدوافع تحركها فيما يبدو أياد تعمل على تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية في ليبيا، وجرت معها اليوم هذا الملف في محاولة للتشكيك في جهود إعادة الإعمار وتعميق الوجع والآلام لأهلنا في درنة بزعم وجود شبهات فساد.
ما يدعو للاستغراب، بحسب المراقبين، أن حملة إعلامية مشبوهة انطلقت مع الذكرى الأولى لفاجعة إعصار دانيال في صحف وقنوات إخبارية تابعة لدول متدخلة في الشأن الليبي وضاغطة بطرق متعددة لاستمرار الانقسام السياسي وعدم الوصول إلى تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، تعمدت تجاهل الجهود الكبيرة لإعادة الإعمار وركزت على ما أسمته بشبهات فساد، وهي تعمل في الواقع على تسييس هذا الملف وإدخاله في دوامة الانقسام السياسي الذي طال أمده، في الوقت الذي ينتظر فيه أهل درنة النازحين في عديد المدن الليبية العودة إلى مدينتهم الزاهرة، دون الالتفات إلى نعيق الغربان. (الأنباء الليبية)