طرابلس 16 نوفمبر 2024 (الأنباء الليبية) – اللغة العربية جوهر الهوية الثقافية للعرب كونها لغة القرآن ثم لأنها لغة ثرية في معانيها استوعبت من خلال التراجم كافة العلوم التي عرفتها الحضارات القديمة في أدق تفاصيلها وكُتبت بها علوم واختراعات كثيرة تم نقلها إلى لغات أخرى على مر العصور، غير أن مستوى اللغة العربية، تراجع بشكل كبير بين الشعوب الناطقة بها في عموم الدول العربية وبخاصة في بلادنا أمام اللهجات المحلية وتدني مستويات التعليم في كافة مراحله وزحف اللغات الأجنبية.
لم يتردد عميد كلية الآداب واللغات بجامعة طرابلس، د. جمال الجازوي، في لقاء صحفي أجرته معه صحيفة (الأنباء الليبية) في نهاية عطلة الأسبوع في مقر الكلية بطرابلس، في تأكيد المستوى المتدني لإتقان اللغة العربية في صفوف الطلبة بل واستغرب كيف ألا يُتقن الكثير من طلبة الدراسات العليا والأساتذة الجامعيين لغة الضاد.
وأضاف أنه مندهش لكيفية وصول الطالب إلى مرحلة التعليم الجامعي مع هذا المستوى الضعيف جدا في اللغة العربية بل كيف تجاوز مراحل التعليم من الابتدائي إلى الإعدادي والثانوي ولا يُتقن أساسيات لغته الأم.
وبسؤاله عن “التوفل العربي” أو مشروع (الضاد) أوضح الجازوي أن وزارة التعليم والتربية استشعرت خطورة الوضع الذي يتهدد اللغة العربية وكلفت جامعة طرابلس بالبحث في محاولة معرفة أسباب ضعف اتقان اللغة العربية في الوسط الطلابي وحتى الأكاديمي وإيجاد الحلول الملائمة، وتشرفت كلية الآداب واللغات بمتابعة هذه القضية الشائكة ومن هنا جاء مشروع (الضاد).
واستطرد: “نحن لا نقول (التوفل) لأنه مصطلح أجنبي قد نُسأل عنه إلا أن مشروعنا شبيه بمشروع التوفل في اللغة الانجليزية وأسميناه في اللغة العربية امتحان أو مشروع (الضاد)، الحرف الذي يُميز اللغة العربية، وهو برنامج طموح جدا وواعد جاء وفقا لتوجيهات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للاهتمام بلغة (الضاد)، اللغة العربية في المحافل الدولية وفي مجال البحث العلمي والعلوم التطبيقية والإنسانية”.
يُشار إلى أن (التوفل)، اختصار في الإنجليزية لـ (اختبار في اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية لغير الناطقين بها)، لقياس درجة إتقانهم لها. وهذا الامتحان مطلوب اجتيازه من الطلاب الأجانب في أكثر من 2400 كلية وجامعة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وأماكن أخرى في العالم.
وتابع الأستاذ الجامعي الليبي، إن لغتنا تُكتب بها البحوث والدراسات وهي اللغة الأم وقد أسسنا لبرنامج (الضاد) حيث أوكلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هذه المهمة إلى جامعة طرابلس وهي الجامعة الأم، وأوكلت جامعة طرابلس بدورها المهمة إلى كلية الآداب واللغات باعتبار أن الكلية نقوم بتدريس مختلف اللغات الأجنبية ولدينا أساتذة مهتمين باللغة العربية وآدابها ولهم خبراتهم ويتمتعون بدرجات خبرة كبيرة جدا.
وأوضح أن مجلس الجامعة أوكل إلى كلية الآداب واللغات مهمة تأسيس فريق متخصص في امتحان لغة (الضاد) وتأهيل الطالب والباحث في الدراسات العليا في لغة (الضاد) لأنه من غير الممكن أن يكتب بحوثه العلمية والأكاديمية والتطبيقية، وجلها باللغة العربية، دون أن يكون متمكنا ومتقنا لها.
وأعرب الجازوي أن أسفه أن يتعامل في مسيرة التعليم العالي مع طلبة بمستويات متدنية في اللغة العربية مؤكدا أنه يستغرب كيف اجتاز الطالب المرحلة الثانوية ولغته العربية لغة معيبة ضعيفة وركيكة اختلطت بها الدارجة مع المصطلحات الأجنبية.
وقال:” أنا شخصيا رأيت في كثير من طلابي في قسم اللغة العربية عندما يكتبون تكون الإملاء وثقافتهم اللغوية ومصطلحاتهم ضعيفة جدا، واختيار المرادفة والكلمة ضعيف جدا”، متسائلا كيف سيكون الوضع عند تخرج الطالب بطريقة ما ويتجه إلى الدراسات العليا ويكتب بحوثه ويتقدم بها في مختلف المؤسسات التعليمية العليا حيث ستكون لغته، لغة ركيكة، ضعيفة وهزيلة خالية من البيان واختيار المرادفة الصحيحة.
وأشار في هذا الصدد إلى أن مشروع (الضاد)، ينص على أن الطالب الذي يتقدم للدراسات العليا والبحثية لابد أن يجتاز الامتحان المقرر في اللغة العربية ليُسمح له بالدراسات العليا والبحثية مشيرا إلى أن البرنامج ليس حكرا على تخصص اللغة العربية بل يشمل التخصصات التطبيقية التي تستدعي ضرورة اجتياز امتحان لغة الضاد.
وضرب مثلا على ذلك بالطبيب الذي يكتب تقريره باللغة العربية مؤكدا أن هذا الطبيب إذا لم يكن يتقن لغة (الضاد) سيكون تقريره خطأ وقد تكون وصفته خاطئة وتفسيره خاطئا، وكذلك الشأن بالنسبة للمترجم إذا لم يكن متمكنا من لغته الأم، العربية، ولديه ثقافة واسعة وحضور ذهني لا يستطيع أن يأتي بترجمة صحيحة ودقيقة، وهو ما ينطبق على سائر العلوم الإنسانية الأخرى والتطبيقية.
وأشار الجازوي بأسف شديد إلى أن بعض الأساتذة ممن يحملون درجة الماجستير أخفقوا في اجتياز امتحان (الضاد) لتأهيلهم لمرحلة الدكتوراه مشددا على ضرورة إعادة تأهيلهم ليُعيدوا الكرة من جديد.
ولاحظ أن رسائل الماجستير والدكتوراه التي يتم مناقشتها تأتي عادة مشفوعة برسالة من مدقق لغوي يضمن فيها سلامة وصحة أسلوبها ولغتها إلا أنه أكد أن ذلك غير كاف الآن حيث يتعين على الباحث أن يكون اجتاز الامتحان الشامل للغة (الضاد) ليتم قبول مناقشة رسالته منعا للغش بالاعتماد على المدقق اللغوي الذي يعمل بمقابل مادي.
ووجه عميد كلية الآداب واللغات الدعوة إلى جميع البحاث والمهتمين والدارسين في الدراسات العليا للالتحاق بالبرنامج التأهيلي للغة الضاد ليتم إعداد الطالب أو الاستاذ أو الباحث المحتاج إعدادا لغويا جيدا وضمان سلامة اللغة وصحتها مشيرا في سياق متصل إلى أن الكلية تقود حاليا برنامجا لتأهيل الناطقين باللغة الإنجليزية وكافة اللغات الأخرى لضمان الإعداد الجيد للباحث وتقديم أطروحة تخلو من العيوب اللغوية متمنيا أن يجد هذا البرنامج الهادف اصداءه في كافة مؤسسات التعليم العالي في الدولة الليبية.
وكان عميد كلية الآداب واللغات، د. جمال الجازوي افتتح هذا اللقاء الصحفي قائلا:” أعبر عن سعادتي باستقبال هذه المؤسسة العريقة المؤسسة الإعلامية الليبية الموثوقة التي عرفناها منذ عقود، وكالة الأنباء الليبية وأهنئكم بالعيد الستين لتأسيس الوكالة حيث تابعت باهتمام الاحتفال الذي أقيم في مدينة بنغازي بهذه المناسبة”.
وكان معهد العالم العربي في باريس، أعلن في أبريل 2019 إطلاق شهادة لإتقان اللغة العربية معترف بها دوليا، مشابهة لـ “التوفل” باللغة الإنجليزية.
وقال رئيس المعهد، الفرنسي جاك لانغ، وقتذاك إن “اللغة العربية هي خامس اللغات المحكية في العالم، وحتى الآن لا توجد شهادة دولية لها وهي أداة أساسية لتطويرها وتعليمها”. (الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
حوار: أميرة التومي – ساسية اعميد
تصوير فتحي شلفيط – إسماعيل الكوربو