طرابلس 23 نوفمبر 2024(صحيفة الأنباء الليبية) – اعتمدت ليبيا على مر العصور على الزراعة كمصدر للدخل الوطني واشتهرت بزراعة الزيتون والنخيل والحبوب والحمضيات والكروم وغيرها، إلا أن لعنة النفط جعلت الليبيين يهجرون الزراعة ويتكدسون في الوظيفة الحكومية رغم الجهود الكبيرة التي بُذلت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لاستصلاح آلاف الهكتارات وإقامة مشاريع زراعية ضخمة لزراعة الحبوب وأشجار الزيتون والنخيل على وجه التحديد في مختلف مناطق ليبيا، معظمها طالها الخراب خاصة بعد عام 2011 بسبب الإهمال والفساد وسوء الإدارة، إلى جانب بناء مشروع النهر الصناعي.
ومن بين المشاريع الكبرى التي جرى تنفيذها بين عامي 1972 و1974، في المنطقة الغربية، مشروع زراعة الزيتون البعلي في منطقة زلطن (120 كلم غرب العاصمة طرابلس)، الذي يغطي مساحات شاسعة ويحوي الآلاف من أشجار الزيتون تم استيراد جذوعها من مدينة صفاقس بتونس.
زار فريق من صحيفة الأنباء الليبية المنطقة في نهاية عطلة الأسبوع لاستطلاع موسم جني الزيتون لهذا العام الذي انطلق يوم 15 نوفمبر الجاري والوقوف على بعض المشاكل التي يواجهها الفلاح للاعتناء بهذه الثروة التي يُطلق عليها الذهب الأخضر، منها الجفاف وانعدام الدعم الحكومي ونقص العمالة ومشاكل التسويق.
وقال الباحث في الهيئة الليبية للبحث العلمي، عضو هيئة التدريس والخبير الزراعي، رئيس تعاونية الساحل الغربي لشجرة الزيتون، رحومة المسلوب، إن مدينة زلطن الحدودية تشتهر بزراعة الزيتون البعلي مؤكدا أن موسم الزيتون لهذا العام حقق 75 في المائة من الإنتاج، وهي نسبة غابت لعدة سنوات بسبب الجفاف والتغيرات المناخية.
وأوضح الخبير الزراعي، أن هذه المنطقة تقع ضمن تقاطع جغرافي شاسع يضم الجميل ورقدالين وزوارة وزلطن، وهذه الأخيرة تتميز بخاصية تتمثل في قرب المياه الجوفية التي تُوجد على عمق ما بين 7 و10 أمتار فقط مشيرا إلى أن المنطقة الغربية توفر، بحسب الاحصائيات الرسمية، حوالي 37 في المائة من الإنتاج الليبي لزيت الزيتون.
وأوضح رحومة أن شجرة الزيتون، من الأشجار المقاومة للجفاف والمعمرة، تحتاج إلى خدمات حقلية تتمثل في التقليم والحرث وجني الثمار بطريقة علمية وفق مواعيد محددة بدقة متناهية مبينا أن تكاليف الخدمات الحقلية تستنزف حوالي 50 في المائة من إنتاج الفلاح دون وجود أي دعم حكومي أو أي تشجيع للتسويق الأمر الذي يتسبب في عدم حماية المنتج أو المستهلك وانعدام التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
وأضاف أن عملية الجني في هذه المنطقة تبدأ من 15 نوفمبر إلى نهاية يناير وهي فترة غزارة الإنتاج، وتحتاج إلى عمل دقيق حيث يتعين على الفلاح منذ بداية أكتوبر أن يقوم بتحويض الشجرة وإزالة البقايا المتساقطة لأنها تكون غير مكتملة النضج أو مصابة وتتسبب في ارتفاع درجة الحموضة.
وأشار الخبير الزراعي إلى أنه بعد التنظيف يبدأ التساقط في منتصف أكتوبر وهو دليل على عملية النضج مبينا أن لكل منطقة خصوصيتها في عمليات النضج وكل صنف له خصوصيته شارحا كيف تبدأ عملية تلوين الثمرة وقوة الشد وهي دلائل إضافية على عملية النضج ومؤكدا أن الزيت يكون مكتملا في حبة الزيتون (الثمرة) مع نهاية شهر أكتوبر.
وتابع شارحا أن الناس يتساءلون أين الزيت، هل هو في اللب أم في النواة مبينا أن 75 في المائة من الزيت الأساسي موجود في اللب المعروف محليا بـ “الشحمة” أما النواة فلا يُوجد فيها إلا نسبة زيت بسيطة جداً”.
واستطرد أن الزيت الجيد ذي الجودة العالية موجود في الحبة السليمة غير المخدوشة حيث لا تتأثر بعوامل التلوث الخارجي إن وجدت ولا تطالها أية عملية تزنخ أو ثلوث وبمجرد مرورها على سير الغسيل تبدأ لامعة ويكون الزيت ذو جودة عالية أما الحبة المخدوشة فإنها تتأثر بمحيطها الخارجي وتتأكسد ويعتبر زيتها من الزيوت الملوثة، نافيا في هذا الصدد أي تأثير لمصنع غاز مليتة على بساتين الزيتون إلا عندما تكون الحبة مخدوشة.
توجد في ليبيا حوالي ثمانية (8) ملايين شجرة زيتون، ورغم ندرة الأمطار والجفاف الحاصل في السنوات الأخيرة إلا أن الإنتاج لا يزال يضمن تغطية نفقات العناية بمزارع الزيتون ويُوفر بعض الدخل الإضافي لأصحابها.
تعرضت زراعة الزيتون في ليبيا بين ثمانينيات وألفينيات القرن الماضي للتهميش والإهمال بسبب المردود البسيط مقابل الإنفاق نظرا لكون زيت الزيتون المستورد كان من ضمن السلع المدعومة من الدولة ولم يكن سعر اللتر يتعدى وقتذاك الـخمسة (5) دنانير. إلا أن إلغاء الدعم الحكومي جعل سعر اللتر يتضاعف اليوم حوالي خمس مرات عما كان عليه، فعاد المزارعون إلى الاهتمام بهذه الشجرة بشكل ملحوظ. وأكد الخبير الزراعي الليبي في هذا الصدد أن العديد من الشباب في المنطقة الغربية اشتروا مزارع واتجهوا إلى الاهتمام بها وتطويرها.
وكان جني الزيتون في السابق تقوم به عائلات لا تملك مزارع وتحصل على نصف الإنتاج مقابل الجهد. إلا أن المزارعين باتوا يفضلون اليوم جني الزيتون عن طريق عمالة وافدة معظمها من النيجر تم تدريبها محليا على أيدي أصحاب المزارع أنفسهم، مقابل ما بين 10 و15 دينارا لـ (المرطة) التي تعادل في الزيتون حوالي 14 كلغ وتعطي ما بين 3 و3.5 لترمن الزيت.
وحول توقعاته عن سعر بيع اللتر من زيت الزيتون للمستهلك هذا العام قال رحومة إن سعر اللتر قد يتراوح من 25 الى 30 دينارا للتر الواحد مشيرا إلى أن الإنتاج تركز هذا العام في المنطقة الغربية أكثر منه في المنطقة الشرقية.
وأشار في سياق آخر إلى ظاهرة المشاريع المستحدث المتمثلة في زراعة الزيتون الإسباني إلا أنه شدد على أهمية الحفاظ على الأصناف الوطنية المحلية المقاومة للحرارة والجفاف والمحافظة على الموروث والجودة والأصالة، مشيرا إلى أن البيئة في ليبيا تختلف عن البيئة الأوروبية الإسبانية، ونصح الفلاحين الذين غرسوا الزيتون الإسباني المروي ألا تقل المسافة بين الأشجار عن أربعة أمتار ويُفضل أن تكون ثمانية أمتار.
وأوضح أن زراعة الزيتون الإسباني على مسافة متر ومتر ونصف المتر غير علمي حيث ستتشابك الأشجار والجذور ولا تعطي مردودا جيدا ولا تعمر الشجرة طويلا.
وقال رحومة إن الزيتون الموجود حاليا في منطقة زلطن المستورد من صفاقس بتونس من بيئة مشابهة، يُسمى “الشملالي الصفاقسي”، ويُطلق عليه في المنطقة الغربية “الزلماطي” ويغرس على مسافة 24 مترا نظرا لكون جذور الزيتونة تمتد لمسافة 12 مترا تقريبا، ويتم تقليمه بشكل كأسي لدخول الإضاءة وأشعة الشمس والتهوية، وهو ما يزيد من نسبة الإنتاج.
وأوضح الخبير الزراعي الليبي أن عملية جني ثمار الزيتون يجب ألا تتجاوز 72 ساعة من وقت الجني داخل المزرعة إلى الوصول إلى عملية الاستخلاص في المعصرة مشددا على أن التنظيف لا يتم إلا عند نقل الثمار إلى المعصرة، مع التوصية باستخدام أكياس الخيش بدلاً من الأكياس البلاستيكية لنقل الزيتون، للحفاظ على جودته.
وتابع أن تعبئة زيت الزيتون في أواني بلاستيكية معاد تدويرها غير صحي، نظرًا لحساسية الزيت وتأثره بالعوامل الخارجية، ما يؤثر سلبًا على جودته لذلك نصح باستخدام أواني الفولاذ “ستاينلس ستيل”، أو الفخار، أو الزجاج المعتم للمحافظة على جودة الزيت، منبها إلى ضرورة تجنب تكويم الزيتون بارتفاع يتجاوز 40 سنتيمترًا، لتجنب حدوث عملية أكسدة وتعفن للثمار.
ورحب الباحث في الهيئة الليبية للبحث العلمي، عضو هيئة التدريس والخبير الزراعي، رئيس تعاونية الساحل الغربي لشجرة الزيتون، رحومة المسلوب، في مستهل اللقاء بالفريق الإعلامي لصحيفة الأنباء الليبية وتقدم بالشكر إلى مؤسسة (وال) على تغطية موسم جني الزيتون في هذه المنطقة الحدودية التي تشتهر بالزياتين وخاصه الزيتون البعلي البيولوجي.
تحتل ليبيا المرتبة 11 عالميا في إنتاج الزيتون بحسب منظمة فاو، بتوفرها على أكثر من ثمانية (8) ملايين شجرة زيتون، ورغم ذلك، إلا أن السلطات تحاول منع تصديره لتوفير احتياجات السوق المحلية.
وتحصلت ليبيا هذا العام على جوائز في مسابقة اليابان الدولية، ضمن منافسة مع شركات عديدة تمثل 23 دولة منتجة لزيت الزيتون. وكانت ثلاث شركات ليبية من مدينة غريان تحصلت على جوائز في النسخة 11 من المسابقة.
وتحصل زيت زيتون غريان على الميدالية الذهبية ضمن منافسة تركيا 2022، لاختيار أفضل زيت زيتون بكر في العالم، بعد منافسة شهدت مشاركة 15 دولة، من بينها الولايات المتحدة واليونان وإيطاليا وإسبانيا. (صحيفة الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
-متابعة: ساسية اعميد
-تصوير: إسماعيل الكوربو