بنغازي 29 يناير 2025 (الأنباء الليبية)- نظم مجلس الأمن القومي التابع لمجلس النواب اليوم الأربعاء ندوة علمية بعنوان “الهوية الاقتصادية لليبيا كمنطلق للتنمية الاقتصادية”، احتضنتها قاعة الاقتصادي ببنغازي، وتناولت الندوة مفهوم الهوية الاقتصادية وأهميتها في تشكيل طبيعة الفرد والمجتمع والاقتصاد.
وناقش المشاركون الاختلافات في الهوية الاقتصادية بين المجتمعات، والتي تتأثر بعوامل متعددة، مثل التاريخ، والجغرافيا، والعرق، والدين، والنشاط الاقتصادي.
وفي كلمته، ألقى رئيس اللجنة التحضيرية دكتور أيوب الفارسي كلمة بنيابة عن رئيس مجلس الأمن القومي، حيث شدد على ضرورة تطوير الاقتصاد الليبي وفق أسس علمية ومنهجية واضحة، تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاجتماعية والثقافية، وتكون قابلة للتنفيذ بشكل منسجم وعادل.
وأكد على أهمية أن تتضمن السياسات الاقتصادية آليات واضحة للمساءلة والشفافية، بما يحقق أهداف المجتمع، ويعزز الثقافة الاقتصادية وتشريعاتها، مع ضرورة حماية الطبقات الفقيرة من خلال شبكة حماية اجتماعية قوية.
وأشار الفارسي إلى أن الاقتصاد الليبي يعاني من كونه اقتصادًا ريعي يفتقر إلى هوية واضحة، مما يعرقل نموه ويجعل الخطط المستقبلية عرضة للهدر.
وأضاف أن التخبط والعشوائية في السياسات الاقتصادية خلال العقود الماضية خلقا إرثًا سلبيًا يحتاج إلى معالجة، لما له من تأثيرات اجتماعية وثقافية تتطلب مجهودات كبيرة لتغيير بعض المفاهيم المجتمعية المرتبطة بالاقتصاد.
وأكد أن الواقع الاقتصادي الليبي رغم صعوبته، يستدعي العمل المشترك لوضع منظومة اقتصادية متكاملة، تهدف إلى التخلص من الاعتماد على النفط، واستغلال إمكانيات الدولة لتنويع مصادر الدخل، وتحقيق العدالة والمساواة في توزيع التنمية بجميع أنحاء الوطن.
ومن جانبه أكد رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي، خلال كلمته في الندوة، أن قضية الاقتصاد ليست مجرد شأن تقني أو إداري، بل هي مسألة جوهرية تحدد مستقبل ليبيا ومسارها نحو التنمية المستدامة.
وأوضح أن مناقشة الهوية الاقتصادية للبلاد يعني السعي لفهم وتحديد الموارد والمزايا النسبية التي تمتلكها ليبيا، والعمل على استثمارها بذكاء لضمان تحقيق الرفاهية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وأشار إلى أن ليبيا ليست مجرد دولة نفطية، بل تمتلك ثروات طبيعية وبشرية هائلة، إلى جانب موقع جغرافي استراتيجي، يجعلها قادرة على أن تكون نموذجًا اقتصاديًا يُحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي. وأضاف أن التكامل بين القطاعات الاقتصادية المختلفة هو مفتاح النجاح، وأن بناء اقتصاد قوي ومستدام يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا قائمًا على هوية اقتصادية واضحة.
كما شدد على أهمية تنويع مصادر الدخل الوطني وعدم الاعتماد الكلي على النفط والغاز، لافتًا إلى أن تعزيز قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا هو السبيل الأمثل لضمان استدامة الاقتصاد الليبي، وخلق فرص عمل حقيقية للشباب، مما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة وبناء مستقبل اقتصادي مزدهر.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن هذه الندوة تشكل خطوة مهمة في صياغة رؤية اقتصادية متكاملة، تستند إلى إمكانيات ليبيا الحقيقية، وتُسهم في رسم ملامح نهضة اقتصادية حقيقية تستفيد منها الأجيال القادمة، وتخللت الندوة، جلستان علميتان تخللتهما أوراق بحثية.
وترأس الجلسات العلمية الدكتور سالم بن غربية، فيما قدم عضو هيئة التدريس بجامعة مصراته الدكتور عبد اللطيف طلوبة، ورقة علمية بعنوان “الهوية الاقتصادية في ليبيا: إلى أين؟”.
وتطرقت الورقة إلى تطور الهوية الاقتصادية الليبية، بدءًا من مرحلة ما قبل اكتشاف النفط حين كانت البلاد ذات اقتصاد فقير، مرورًا بتحولها إلى اقتصاد بدائي بعد اكتشاف النفط، وصولًا إلى اعتمادها على الاقتصاد الريعي القائم على تصدير النفط.
كما تناولت الورقة التحديات الاقتصادية التي تواجه ليبيا بعد عام 2011، حيث زاد الاعتماد على عائدات النفط، مما يتطلب إعادة صياغة السياسات الاقتصادية لتحقيق تنمية مستدامة.
كما قدم عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد بجامعة بنغازي دكتور خالد الزائدي، ورقة علمية بعنوان “تقويم التجربة الليبية في إطار الهوية الاقتصادية”، تناولت تعريف مفهوم الاقتصاد ومبادئه، وإدارته بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب مناقشة النمو الاقتصادي، وحق الملكية وحمايته، ونظرية التنمية بأنواعها الثلاثة.
كما استعرضت الورقة النظم الاقتصادية المختلفة، من الرأسمالية والاشتراكية والإسلامية والمختلطة، مع تحليل الأسواق الاقتصادية واختلافاتها، بالإضافة إلى دراسة مستفيضة تستند إلى وثائق ومراجع اقتصادية ليبية تغطي الفترة من 1963 إلى 2019.
في تصريح خاص، لصحيفة الأنباء الليبية أكد رئيس اللجنة المنظمة للندوة، دكتور أيوب الفارسي، أن مجلس الأمن القومي استشعر خطورة الوضع الاقتصادي في ليبيا وأهمية الأمن الاقتصادي في استقرار الدولة، مما دفعه إلى جمع الخبرات من مختلف أنحاء البلاد، ومن كافة الجامعات الليبية، لمناقشة هوية الاقتصاد الليبي ووضع رؤية واضحة لمستقبله.
وأوضح الفارسي أن العائدات النفطية الضخمة التي حصلت عليها ليبيا خلال العقود الماضية لم تنعكس على شكل تنمية اقتصادية حقيقية، ولا في تحسين مستوى الرفاه الاقتصادي للأفراد، بل ساهمت في تعزيز الاقتصاد الريعي، الذي أدى بدوره إلى تفشي الفساد المالي والإداري، حتى أصبحت ليبيا في مراكز متقدمة على سلم مدركات الفساد العالمي.
وأشار إلى أن الميزانيات العامة للدولة تذهب في معظمها إلى نفقات استهلاكية غير منتجة، لا تساهم في خلق استدامة مالية، بل تُهدر سنويًا دون أن تتحول إلى مشاريع تنموية حقيقية أو استثمارات اقتصادية مستدامة موضحا مع مرور السنوات، أصبحت مشكلات الميزانية العامة أكثر تعقيدًا، حسب رأيه نتيجة للانقسام السياسي والإنفاق الحكومي غير المنضبط، مما زاد من الضغوط على الاقتصاد الوطني.
وأكد الفارسي أن استمرار هذا الوضع يشكل تهديدًا خطيرًا للاقتصاد الليبي، وهو ما دفع مجلس الأمن القومي إلى تنظيم هذه الندوة لمناقشة هوية اقتصادية جديدة تضع حدًا لهيمنة قطاع الطاقة على الاقتصاد، وتقلل من تدخل الدولة بطريقة تثقل كاهل الميزانية العامة، وتحد من هدر الأموال في الرواتب والنفقات الاستهلاكية والإنفاق الحكومي المتضخم، الذي لا يخدم التنمية الاقتصادية الفعلية.
وأضاف أن الاقتصاد الليبي بحاجة إلى خطط تنموية تخرجه من الاعتماد الكلي على قطاع الطاقة ومن نموذج الدولة الريعية، بما يسهم في تحفيز نمو القطاع الخاص وتحقيق الأمن الاقتصادي للدولة الليبية على المدى البعيد.
وأشار إلى أن الندوة تحظى برعاية وبتنظيم من مجلس الأمن القومي وهي جهة تتبع مجلس النواب الليبي، وسيتم إحالة توصياتها إلى الجهات المختصة، معربًا عن أمله في أن يستوعب صناع القرار خطورة الوضع الاقتصادي، ويعملوا على تبني الحلول المطروحة.
واختتم الفارسي تصريحه بالتأكيد على أن دور مجلس الأمن القومي هو تقديم الاستشارات والحلول لصناع القرار، بهدف تطوير السياسات الاقتصادية وتجنب الأخطاء التي تفاقمت على مدار العقود الماضية، مشددًا على أن ليبيا تمتلك الخبرات والإمكانات اللازمة للخروج من أزمتها الاقتصادية وتحقيق تنمية مستدامة تعود بالنفع على الجميع.
وشهدت الندوة حضور رئيس مجلس الأمن القومي المستشار إبراهيم بوشناف، وعميد بلدية بنغازي الصقر بوجواري، إلى جانب أكاديميين، وخبراء اقتصاديين، ومهتمين بالشأن. (الأنباء الليبية) ص و
متابعة: مراد بوكر
تصوير: علي الصنعاني