درنة 31 يناير 2025 (الأنباء الليبية) -تعتبر مدينة درنة، الواقعة في شرق ليبيا، التي افتتحها القائد عمرو بن العاص عام 21 هجريا وهي نفس السنة التي فتح فيها عمرو بن العاص مصر، من أبرز المدن التي تحظى بإرث تاريخي عميق، إذ تجمع بين الحكايات الإسلامية والآثار القديمة التي تعود إلى الفتح الإسلامي لبلاد المغرب.
ومن أبرز معالم المدينة التاريخية مقبرة الصحابة، التي تضم رفات 73 صحابيا وتابعا، الذين ساهموا في نشر الإسلام في شمال أفريقيا، وتاريخ المدينة ومعالمها يشهد على تطور طويل، لكن إعصار “دانيال” في 2023 ترك بصمته الكبير على هذه المعالم.
-مسجد الصحابة رمزية ثقافية ودينية
من أبرز المعالم الدينية في مدينة درنة هو مسجد الصحابة، الذي أُقيم على جزء من مقبرة الصحابة في عام 1970، ليكون بمثابة مركز ثقافي وعلمي في المدينة.
ويعود تاريخ المقبرة إلى القرن السابع الهجري، حيث دفن فيها العديد من الصحابة الذين استشهدوا في معارك ضد البيزنطيين أثناء الفتح الإسلامي للمغرب الكبير.
وتحتوي المقبرة على قبور الصحابي زهير بن قيس البلوي، وأبي منصور الفارسي، وعبد الله بن بر القيسي، الذين استشهدوا في معركة ضد الرومان في المنطقة.
تأسس مسجد الصحابة في سبعينيات القرن العشرين بتبرعات من أهالي المدينة، ليصبح من أكبر المساجد في ليبيا، ولا يقتصر دور المسجد على كونه مكانًا للصلاة، بل تحوّل إلى مركز اجتماعي وثقافي هام. كان يزور المسجد الوفود من مختلف أنحاء البلاد، وكان مكانا لإقامة المناسبات الاجتماعية، مثل عقود القران والتعازي.
-المدينة وأثر الصحابة
شهدت درنة ازدهارا كبيرا بعد الفتح الإسلامي، حينما أصبحت قاعدة خلفية للجيش الإسلامي في القرن الأول الهجري، وقد ارتبط اسم المدينة بالصحابة بشكل عميق، خصوصا بعد استشهاد العديد منهم في معركة ضد الرومان في منطقة المغرب الكبير.
ودفن هؤلاء الصحابة في درنة.
تأثرت المدينة بشكل كبير بتاريخ الصحابة، حيث يطلق عليها البعض “مدينة الصحابة” لارتباط سكانها بهذه الرموز التاريخية العميقة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت درنة موقعا ذا قدسية خاصة.
-التدمير والحروب
رغم الأهمية الكبيرة للمسجد والمقبرة، لم تسلم درنة من العديد من التحديات السياسية والعسكرية، في عام 2014، سقطت المدينة في يد تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي دمر العديد من معالم المدينة، بما في ذلك أضرحة الصحابة.
كما تعرضت المقبرة إلى حريق في عام 2010، نتيجة انفجار مولد كهربائي، مما ألحق أضرارا جسيمة، قبل أن يتدخل الدفاع المدني الليبي لإخماد الحريق ومنع تمدده إلى المسجد.
كان سكان درنة يتسمون بالصمود، حيث قاوموا محاولات تنظيم “داعش” لتدمير معالمهم التاريخية، وقد سجلت المدينة مواقف بطولية ضد محاولات الجماعة الإرهابية لتفجير أضرحة الصحابة والتابعين فيها.
في سبتمبر 2023، تعرضت درنة لفيضانات كارثية بسبب إعصار “دانيال”، ما تسبب في دمار واسع في المدينة، بما في ذلك تدمير جزء كبير من المقبرة ومسجد الصحابة، وتسببت السيول في جرف المعالم التاريخية في المدينة، وألحقت أضرارا بالغة بالمسجد وأضرحة الصحابة.
هذا الحدث كان نقطة فاصلة في تاريخ المدينة، حيث أثرت الفيضانات بشكل عميق في الأساسات والجدران والقباب في المسجد، الأمر الذي دفع للبدء أعمال الإعمار، حيث أغلقت المنطقة لتسهيل عمليات الصيانة وإعادة تأهيل المسجد والمقبرة، التي شهدت عمليات رفع الأتربة وتجفيف التربة ومعالجة الأساسات.
-جهود مستمرة للحفاظ على التاريخ
منذ الحادثة، أطلق مشروع لإعادة إعمار المدينة، بما في ذلك المسجد والمقبرة، مع الإلتزام بالحفاظ على الطابع التاريخي للمدينة أثناء إعادة الإعمار، من خلال تظافر الجهود الدولية والمحلية لضمان الحفاظ على المعالم الثقافية في درنة، محافظة على إرثها الثقافي العريق.(الأنباء الليبية درنة) س خ.
-تصوير : حسن بودوارة