طرابلس 04 فبراير 2025 (الأنباء الليبية) – لا تزال المشاكل المتعلقة بعدم القدرة على الإنجاب تُعتبر إلى حد كبير من التابوهات في المجتمع الليبي المحافظ، وتصل في حالات كثيرة إلى وصمة اجتماعية، ولا يرغب الزوجان، وبخاصة الزوج، في الحديث عنها، وأدت إلى حالات من الاكتئاب والطلاق.
ويقول الأطباء المتخصصون في التعامل مع عدم القدرة على الإنجاب، أو العقم – وهو المصطلح الذي يُفضل رجال الدين عدم استخدامه لأن مدلوله في التفسير “لا يُولد له”، إن أسبابه تعود عند الرجال إلى عدة عوامل منها، إنتاج النطاف غير الطبيعي أو ضعف وظيفة النطاف، انسداد الطرق التناسلية، التعرض الزائد إلى بعض المشاكل البيئية مثل المبيدات والمواد الكيماوية، والأضرار الناتجة عن السرطان والعلاج الإشعاعي، وعند النساء، إلى اضطرابات ومشاكل التبويض، مشاكل في الرحم وعنق الرحم، انسداد أو مشاكل في قناتي فالوب، بطانة الرحم المهاجرة، قصور المبيض الأولي، سرطان المبيض والرحم وعلاجهما كيماويا.
وأمام تزايد حالات سفر الليبيات والليبيين إلى الخارج للعلاج على العقم، خاصة إلى مصر، رأى فريق من وكالة الأنباء الليبية استطلاع هذه المشكلة، التي باتت تسبب آثارا اجتماعية مقلقة، في كواليس مركز علاج العقم بطرابلس، حيث التقى مديرة المركز الدكتورة أمال الطاهر، فقالت إن هذه المؤسسة الطبية تُعاني من عدة مشكلات تعيق تقديم خدمات شاملة للمواطنين المعنيين، بسبب نقص التمويل اللازم لتوفير الأدوية والمواد التشغيلية، وصيانة الأجهزة الطبية الضرورية.
وأضافت الطاهر أن السلطات المعنية تلكأت في الاستجابة لطلبات المركز العديدة لصيانة الأجهزة الطبية وخاصة جهاز الموجات فوق الصوتية (الأنترساوند) وهو من الأجهزة الأساسية في المركز.
وتابعت في ردها عن أسباب لجوء المواطنين الليبيين الذين يعانون من عدم القدرة على الانجاب إلى البحث عن العلاج بالخارج أن ذلك يعود لصعوبة بعض الحالات وعدم توفر الإمكانيات اللازمة للتشخيص داخل البلاد، وكذلك إلى اعتقاد البعض أن الأطباء الأجانب أكثر كفاءة من الأطباء الليبيين، رغم أن لدى المراكز المتخصصة في البلاد نجاحات موثقة في هذا المجال.
وأكدت الطاهر أن العقم يُعتبر وصمة اجتماعية في ليبيا، حيث يواجه الأزواج ضغوطًا كبيرة من العائلة والمجتمع، مشيرة إلى أن معظم السيدات اللائي يترددن على المركز يرتدين الحجاب الكامل أو ما يُسمى بـ “النقاب” عند زيارة المركز خوفًا من نظرة المجتمع، وأن بعض الحالات تكون زيارتها إلى المركز سرًا حتى عن أقرب الأقارب.
وأشارت الطاهر إلى أن المركز الذي تأسس عام 2013 قدم خدمات لا بأس بها خلال عام 2024، منها 430 حالة حقن مجهري و130 حالة حقن مجهري مباشر، و158 حالة تنشيط، نتج عنها 23 حالة حمل، و47 حالة تجميد أجنة للعينات.
وأوضحت الطاهر أن هناك عوامل متعددة تؤدي إلى العقم، تختلف بين الرجال والنساء، وتشمل أسبابًا أولية وأخرى ثانوية لدى النساء منها، تأخر سن الزواج وتقدم العمر، ما يؤثر على الخصوبة، العمليات القيصرية المتكررة التي تؤدي إلى انسدادات في قناة “فالوب” (أنبوب التبويض)، أمراض مزمنة مثل السكري الذي يوثر على عدم الإنجاب، مشاكل خلقية مثل انعدام الحيوانات المنوية، التهابات مكتسبة، أو مضاعفات عمليات مثل الدوالي، التدخين، الكحول، الوزن الزائد، الذي يؤثر على جودة الحيوانات المنوية ويزيد من تكسر المادة الوراثية، استخدام الأدوية أو الإصابة بأمراض مزمنة.
ونصحت الطاهر الأزواج زيارة المراكز المختصة، في حالة تأخر الحمل، لإجراء الفحوصات اللازمة، وفتح ملف مشترك للزوجين لضمان المتابعة المتكاملة، مؤكدة أن العقم مشكلة يشترك فيها الطرفان وليس طرفًا واحدًا فقط.
وقال رئيس قسم الإحصاء بالمركز الدكتور عبد الباسط الهادي إن الفئة العمرية الأكبر هي الأكثر تأثُراً بعدم القدرة على الإنجاب، مشيرا إلى أن نسبة الخصوبة تقل بشكل كبير بعد سن الأربعين، وتصل فرص النجاح في الحقن المجهري إلى 1في المائة فقط في هذه الحالات.
وأضاف أنه رغم كل الجهود في متابعة حالات المرضى إلا أن المركز لا يزال يعاني من نقص كبير في الإمكانيات، رغم مخاطبة وزارة الصحة عدة مرات دون جدوى.
وأوضح الهادي في تصريح لصحيفة (الأنباء الليبية) أنه تم توزيع المرضى على عدة أقسام خلال عام 2024، منها عيادات المرضى الجدد (تشخيص الحالات)، عيادات النساء والتغذية العلاجية، عيادات الصحة النفسية، عيادات التنشيط، التي تُعد المرحلة الأخيرة قبل الحقن المجهري.
وناشدت مديرة مكتب مكافحة العدوى بالمركز، سعاد صوان، وزارة الصحة تقديم الدعم اللازم لفئة مرضى العقم الذين يعانون اجتماعيًا ونفسيًا، مشيرة إلى أن المركز يقوم بحملات توعوية مستمرة حول تكيًس المبايض، الإجهاض المتكرر، والبطانة المهاجرة، إلا أنه بحاجة إلى دعم أكبر لتوسيع خدماته.
واستطلع فريق (الأنباء الليبية) آراء بعض المترددين على المركز فاستجاب بعضهم بصعوبة وأصروا على عدم الكشف عن هويتهم حيث قال (م ع – 35 عاما): ” تزوجت منذ 5 سنوات ولم أرزق بمولود. راجعت أطباء في عيادات خاصة فنصحوني بالذهاب الي مركز علاج العقم حيث تم تشخيص عقم بسبب ضعف الخصوبة وهي حالة معقدة إلى حد ما. أجريت لي ولزوجتي عدة تحاليل في زيارات متعددة إلى المركز ولكن دون جدوى حتى الآن”.
ويقول الأطباء المختصون في المركز إن مشكلات الخصوبة عند الرجال تحدث بسبب العديد من المشاكل الصحية منها ما يُعرف بـ “الدوالي”، وهي تورم في الأوردة التي تُصرِّف الدم ومنها يأت العُقم الأكثر شيوعًا عند الذكور نظرا لصعوبة تدفق الدم ونقص كمية الحيوانات المنوية وجودتها.
وكشفت (آ-ع، 21 عامًا) أنها تعاني منذ زواجها عام 2022 من مشاكل عديدة ومعقدة معظمها نفسية واجتماعية داخل الأسرة بسبب عدم حدوث الحمل.
وأكدت أنها خضعت للكثير من الفحوصات وأن جميع الأطباء خلصوا إلى أن حالتها طبيعية ولا تعاني من أية مشاكل تعيق الإنجاب، ورأوا ضرورة إجراء فحوصات لزوجها.
وأضافت أنه بعد خضوع زوجها للفحص الطبي، تبيّن أنه يعاني من “الدوالي” في الخصية ومن ضعف في الخصوبة، وخضع للعلاج لكن وضعه لم يتحسن فقرر الذهاب لاستشارة أطباء آخرين والحصول على العلاج اللازم إلا أن نتيجة الفحوصات كانت متطابقة مع تلك التي توصل إليها الأطباء في المركز ومع ذلك رفض زوجها الاعتراف بمشكلته وألقي باللوم عليها.
وأسرت لمراسلة (الأنباء الليبية) أن زوجها عند العودة إلى ليبيا أذاع في محيط العائلة أن سبب عدم الإنجاب يأتي منها مؤكدة أن الخلافات بدأت عندئذ تدب وتتفاقم بينهما خاصة عندما كانت تصر على أن المشكلة وراثية وتُذكره بحالة شقيقه المتزوج منذ خمس سنوات ولم يُرزق بأطفال.
وأضافت أن زوجها بدأ بعد ذلك يُشيع أن المشكلة تعود إلى السحر، واتجه للعلاج الروحاني دون تحقيق أية نتائج إيجابية مبينة أنه مع إصرارها على استمرار العلاج في مركز متخصص لعلاج العقم رفض تمامًا، وقال لها بصريح العبارة: “إذا كنتِ لا تريدين الصبر، فاطلبي الطلاق”.
وقالت في ختام حديثها إنها بعد التأكد من عدم قدرة زوجها على الإنجاب ورفضه الاستمرار في مراجعة المركز، طلبت الانفصال، لكنه يرفض الطلاق حتى اليوم، ما زاد من تعقيد الوضع بينهما.
يعد العقم من القضايا الصحية والاجتماعية التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 80 مليون شخص يعانون من العقم عالميًا. وفي ليبيا، تتزايد حالات العقم لتشمل، وفق الاحصائيات شبه الرسمية، ما بين 10 إلى 15 في المائة من الأزواج بين سن 18 و45 عامًا، ما يجعلها قضية حساسة تستدعي الاهتمام من الجهات المعنية بتوفير المستلزمات الطبية والأدوية الضرورية لمراكز علاج العقم في البلاد، وتحسيس الرجال تحديدا بضرورة مراجعة المراكز المتخصصة والخروج من عباءة التابوهات. (الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
-متابعة وحوار: أميرة التومي – ساسية اعميد