طرابلس 06 مارس 2025 (الأنباء الليبية)- طلبت ريم مصطفى، العاملة بإحدى المؤسسات الحكومية ، إذن خروج من رئيسها في المكتب لإجراء كشف طبي في مجمع عيادات زاوية الدهماني بطرابلس.
توجهت مصطفى إلى المجمع الطبي وانتظرت أمام غرفة الكشف العام الخاصة بالنساء فأحالتها الطبيبة إلى قسم الجراحة لأنها كانت تشكو من كيس دهني تحت الجلد في جانبها الأيسر أزعجها زيادة حجمه بشكل كبير، وبعد أن كشف عنها الطبيب الجراح أحالها إلى المستشفى العام لعدم وجود إمكانيات لإجراء مثل هذه العملية البسيطة في المجمع في الوقت الحالي.
وروت هذه السيدة الليبية لمراسلة وكالة الأنباء الليبية التي التقتها في مستشفى الخضراء بطرابلس حيث كانت تُجري تحقيقا صحفيا، أن محنتها بدأت بعد أن توجهت في اليوم التالي إلى مستشفى طرابلس المركزي وانتظرت دورها لمدة ثلاث ساعات أمام غرفة الجراحة قبل أن تأتي إحدى الممرضات لتبلغ طابور المرضى أن الطبيب لن يحضر اليوم.
وتابعت أنها ذهبت بعد ذلك إلى مركز طرابلس الطبي ولكن موظف الاستقبال أبلغها أنه تم أخذ العدد المحدد (25 حالة) وعليها أن تأتي في ساعة مبكرة صباحا لتضمن الحصول على رقم للكشف.
وفي اليوم الرابع، تضيف مصطفى، أنها ذهبت إلى مستشفى الخضراء بعد أن نصحتها إحدى زميلاتها في العمل بأن الطبيبة الجراحة (ف ق) ممتازة ومشهورة. وبالفعل تمكنت من مقابلة الطبيبة المذكورة التي كشفت عن حالتها وقررت ضرورة إجراء عملية استئصال للكيس الدهني دون تأخير وأخذ عينة منه لتحليلها، وحددت لها موعدا صباح اليوم التالي، غير أن الطبيبة كتبت وصفة طبية للمريضة لإحضار الضمادات وخيط الغرز الجراحية وبعض الأدوية، مشيرة إلى أن المستشفى لا يتوفر عليها.
وأكدت أنها من شدة المفاجأة وربما الصدمة سألت الطبيبة مستفسرة هل يتعين عليها إحضار مستلزمات العملية على حسابها فردت عليها بنعم قبل أن تشير إلى أن العمليات الجراحية قد تتوقف قريبا في حالة نفاذ مستلزمات التعقيم.
وأفادت هذه السيدة أنها اضطرت للجوء إلى المستشفى العام لأن مرتبها مخصص لدفع مقابل ايجار البيت الذي تسكنه مع زوجها وطفليها فيما يتولى زوجها باقي مصاريف البيت مع الكثير من التقشف بسبب اشتعال الأسعار، مستنكرة بالمناسبة عدم قيام مؤسستها بتوفير التأمين الصحي للعاملين فيها رغم مطالبتهم بذلك منذ سنوات.
ويُعتبر التأمين الصحي واحدا من المزايا الأساسية التي تقدمها المؤسسة لموظفيها، نظرا لما يوفره للموظف وأفراد أسرته من خدمات طبية تغطي المؤسسة نسبة كبيرة من تكاليفها إلا أن الكثير من المؤسسات والدوائر الحكومية والشركات العامة والخاصة في ليبيا لا تزال تتجاهل أهمية توفير التأمين الصحي للعاملين بها.
تواجه ليبيا تحديات كبيرة في مجال الصحة رغم رصد ميزانيات كبيرة لهذا القطاع وإنفاق مبالغ طائلة عليه، وتفاقمت بشكل كبير بعد انتفاضة 2011.
وتقول تقارير محلية وأممية موثقة إن أهم التحديات التي تواجه اليوم هذا القطاع الاستراتيجي تتمثل في تجزئة مؤسساته، والانقسام السياسي، وضعف الحوكمة، وانعدام المساءلة، والنقص الحاد في الإمدادات الطبية وفي العاملين الصحيين وشبكة الرعاية الصحية الأولية المعطلة بشدة.
وكشفت المواطنة (أ. م) لمراسلة (الأنباء الليبية) أنها كانت في حالة وضع وتفاجأت عند وصولها إلى المستشفى برئيسة الممرضات تسألها هل أحضرت معها المستلزمات المطلوبة للولادة وإن لم تفعل عليها أن تطلب من زوجها أو من يرافقها إحضار جميع المستلزمات قبل قبولها في غرفة العمليات، بما في ذلك الدم وخيط الغرز والشاش والضمادات وغطاء السرير، والوسادة وقائمة بالأدوية الضرورية.
أفادت طبيبة في المركز الطبي بطرابلس وكالة الأنباء الليبية بعد أن طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن المستشفى يعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية، مؤكدة أن هذا الوضع يؤدي إلى تأجيل الكثير من العمليات الجراحية.
وقالت إن أبسط المستلزمات مثل الشاش والضمادات والكحول الطبي غير متوفرة، وأشارت في ذات السياق إلى أن العناصر الطبية يواجهون صعوبات كبيرة في توفير ما يحتاجه المرضى ما يدفعهم في معظم الأحيان إلى طلب المستلزمات من المرضى أنفسهم خشية أن تتدهور حالتهم الصحية.
وأضافت أن النقص الحاد في الإمكانيات والمستلزمات في هذا الصرح الطبي المصنف ضمن أكبر المستشفيات العامة في أفريقيا، يؤثر سلبًا على جودة الرعاية الصحية المقدمة.
ودعت بالمناسبة السلطات المعنية في قطاع الصحة إلى ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة هذا الوضع غير الصحي وغير المنطقي في دولة مصدرة للنفط والغاز وضمان توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين.
وقالت طبيبة التخدير (أ م) في مركز طرابلس الطبي لمراسلة (الانباء الليبية) إن المستشفى يعاني من نقص حاد في كافة المواد حتى أبسطها مثل الشاش.
وأضافت أن الكثير من العمليات تم تأجيلها بسبب عدم وجود جهاز الكوتري (وهو جهاز يُستخدم في العمليات الجراحية للتحكم في النزيف وإزالة الأنسجة غير المرغوب فيها مثل الأورام السطحية أو الزوائد الجلدية، ولا يستطيع الطبيب أن يطلب من المريض الذي لجأ للمستشفيات العامة بسبب عدم قدرته على العلاج في المصحات الخاصة، احضاره نظرا لارتفاع سعره.
وقالت هذه الطبيبة إن المستشفى شبة منهار رغم الميزانيات الكبيرة المخصصة للقطاع الصحي مؤكدة أن الأدوية والمستلزمات الطبية ما إن تتوفر حتى تختفي من المستشفى خلال يوم أو يومين ولا يُعرف أين صُرفت وكيف تسربت.
كثيرون هم المرضى الباحثون عن فرصة للعلاج في المستشفيات العامة خاصة من ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون 80 في المائة من عدد السكان وسط تحديات جمة تواجه القطاع الصحي في بلادنا المثقلة بالأزمات على رأسها استمرار الانقسام السياسي وتراجع قدرات مؤسسات الدولة ومنها تحديدا المنظومتان، التعليمية والصحية، الهشة منذ عقود.
ويرى المراقبون أن مشاكل القطاع الصحي في ليبيا معقدة إلى درجة أن ثلاثة من أكبر المستشفيات العامة في طرابلس، المركزي والخضراء ومركز طرابلس الطبي، باتت تفتقر اليوم إلى الشاش والكحول الطبي، ويُطلب من المريض إحضارها، فيما تعزو التقارير المحلية والدولية هذا الوضع إلى وجود فساد منهجي وسياسات ونوايا لتخريب المنظومة الصحية العامة لحساب القطاع الخاص واستمرار نزيف العلاج بالخارج. (الأنباء الليبية) ص و
متابعة وحوار: أميرة التومي – ساسية اعميد