بنغازي 16 مارس 2025 (الأنباء الليبية)- أصبح التضليل الإعلامي أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، حيث تؤدي الأخبار الزائفة إلى خلق أزمات غير حقيقية، وزعزعة الاستقرار، ونشر الفوضى في أوساط الرأي العام.
لم يعد التضليل الإعلامي مجرد شائعة عابرة، بل تحول إلى أداة تُستخدم بطرق متطورة، مستفيدة من الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والتقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبينما تزداد صعوبة التمييز بين الحقيقة والخيال، يبقى الوعي الرقمي والتدقيق في المعلومات هما خط الدفاع الأول ضد هذه الظاهرة الخطيرة.
إشاعة تخلق فوضى
في مساء هادئ، بينما كان ناصر يقود سيارته عائدًا إلى منزله، تلقى رسالة عبر “واتساب” تحذّره من أزمة وقود وشيكة، لم يتردد كثيرًا، فانطلق إلى أقرب محطة، لكنه وجد طوابير طويلة من السيارات وسائقين يتجادلون بقلق، لم يكن وحده، فقد انتشرت الإشاعة كالنار في الهشيم، مما تسبب في تهافت غير مسبوق على المحطات، ونقص غير حقيقي في الوقود.
لكن في صباح اليوم التالي، جاء النفي الرسمي ليكشف الحقيقة: “لا أزمة وقود، ولا نقص في الإمدادات”، حينها أدرك ناصر أن التضليل الإعلامي ليس مجرد شائعة عابرة، بل قوة قادرة على خلق أزمات حقيقية.
الأمن السيبراني في مواجهة التضليل
تؤكد المهندسة سمر ميلود الدبري، رئيس قسم التوعية والعلاقات بالهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات، أن الأخبار المضللة تشكّل تهديدًا خطيرًا للأمن الوطني والمجتمعي، حيث تؤثر على نزاهة المعلومات وتزعزع الثقة في المؤسسات، وتضيف أن انتشار الشائعات عبر الفضاء الرقمي يجعل التصدي لها ضرورة ملحّة، خاصة مع استخدامها في الاحتيال الإلكتروني وانتحال الهوية.
وتوضح الدبري أن الهيئة تعمل على تعزيز الوعي من خلال حملات توعوية وورش عمل، بالإضافة إلى وضع ضوابط صارمة لاستخدام الحسابات الحكومية على منصات التواصل الاجتماعي، لكنها تشدد على أن الحل يتطلب تعاونًا أكبر بين الجهات المختصة ومنصات التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل التطورات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تزيد من تعقيد المشكلة.
حروب إلكترونية بأساليب متطورة
عمر شوران، رئيس مجلس إدارة الجمعية الليبية للإنترنت، يرى أن التضليل الإعلامي لم يعد مجرد إشاعة، بل أصبح سلاحًا يُستخدم بطرق متطورة، ويوضح قائلاً: “بعض الجهات تلجأ إلى الحسابات الوهمية والروبوتات الإلكترونية لنشر الأخبار الكاذبة، بينما تُستخدم تقنيات مثل ‘التزييف العميق’ لصنع مقاطع فيديو مزيفة تقلب الحقائق رأسًا على عقب.”
ويضيف أن مواقع الإنترنت الوهمية أصبحت أكثر تطورًا، مما يزيد من صعوبة التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة، لكنه يؤمن بأن الحل يكمن في التوعية والتثقيف، ويحث الأفراد على استخدام أدوات التحقق قبل تصديق أي معلومة أو مشاركتها.
الإعلام التقليدي تحت التهديد
يرى أحمد ازعيليك، رئيس تحرير منصة “نورني” للتحقق من المعلومات، أن انتشار الأخبار الكاذبة يؤدي إلى تراجع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، ويزيد من الاستقطاب الاجتماعي والسياسي، ويؤكد أن منصات التحقق تلعب دورًا أساسيًا في مكافحة التضليل، من خلال التحقق من المصادر، واستخدام الذكاء الاصطناعي، والتعاون مع خبراء في مختلف المجالات.
ويضيف ازعيليك أن التطور المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي سيساهم في كشف الأخبار المزيفة بسرعة أكبر، مما يعزز مصداقية المحتوى الإعلامي ويقلل من تأثير المعلومات المضللة.
كيف نحمي أنفسنا من التضليل؟
مع تزايد خطر التضليل الإعلامي، يصبح الوعي الرقمي أداة أساسية لحماية الأفراد من الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة، من الضروري التحقق من مصادر الأخبار قبل تصديقها أو مشاركتها، والاعتماد على أدوات كشف الصور والفيديوهات المزيفة، إضافة إلى متابعة منصات التحقق الموثوقة، كما أن تبنّي التفكير النقدي وعدم التسرع في نشر المحتوى يساهمان في الحد من انتشار المعلومات المغلوطة، مما يعزز بيئة إعلامية أكثر مصداقية وأمانًا.
في عالم تهيمن عليه المعلومات، قد تكون رسالة واحدة كافية لإثارة الذعر، لكن الوعي هو السلاح الأقوى لمواجهة التضليل. (الأنباء الليبية) ص و
متابعة: أحلام الجبالي