بنغازي 22 مارس 2025 (الأنباء الليبية)- قدّم مجلس الأمن القومي مجموعة من المقترحات الاستراتيجية لمعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية، التي أصبحت من أبرز التحديات التي تواجه ليبيا في الوقت الراهن. وتُعتبر ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين من دول إفريقيا إلى أوروبا، ما جعل هذه الأزمة تتفاقم بشكل كبير نتيجة الانقسام السياسي، وتعدد التدخلات الأجنبية، مما أدى إلى تحول ملف الهجرة غير الشرعية إلى تهديد حقيقي للأمن القومي والسيادة الوطنية.
وأكد المجلس، أن أزمة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، لم تعد قضية عابرة، بل أصبحت معضلة تهدد وجود الدولة نفسها في ظل الضغوط الدولية المستمرة، التي تطالب ليبيا باتخاذ إجراءات لتوطين المهاجرين على أراضيها.
وأوضح أن الحلول العشوائية أو المؤقتة لن تنجح في معالجة هذه الأزمة، بل يجب أن تعتمد الاستراتيجيات على رؤية شاملة ومتكاملة تتعاون فيها جميع المؤسسات الليبية لحل هذه المشكلة بما يحقق الاستقرار للبلاد ويحفظ سيادتها.
وفي هذا السياق، عرض المجلس مجموعة من الاستراتيجيات التي تشمل حلولًا تشريعية ودبلوماسية واقتصادية وأمنية، وأكد أن تطبيق هذه الاستراتيجيات يتطلب تنسيقًا وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية.
الاستراتيجية التشريعية
وأوضح مجلس الأمن القومي أن التشريعات الليبية المتعلقة بالهجرة والمهاجرين لم تكن كافية لمواكبة تطورات الأزمة، وهو ما ساهم في تعقيد الوضع، خاصة بعد توقيع مذكرة التفاهم الليبية الإيطالية في فبراير 2017، والتي ساعدت في زيادة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الليبية.
وفي هذا الإطار، اقترح المجلس مجموعة من الإجراءات التشريعية لتعزيز قدرة الدولة على السيطرة على هذا الملف، وهي كما يلي:
-تعديل القرار رقم 44 لسنة 2013، وهو القرار الذي يحظر على الحكومة المؤقتة التوقيع على الاتفاقيات أو مذكرات التفاهم التي قد تحد من سيادة ليبيا، ولا سيما تلك التي تتعلق بتحديد الحدود أو استغلال الموارد الطبيعية.
-تطوير التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان، من خلال تشديد العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان داخل البلاد، بما يضمن الحفاظ على كرامة المهاجرين ويعزز حقوقهم.
-تنظيم وجود الأجانب، من خلال إصدار تشريع يحدد كيفية وجود الأجانب داخل الأراضي الليبية، بحيث يكون تواجدهم قانونيًا عبر مواطنين أو مؤسسات ليبية.
-إصدار تشريع خاص بالمهاجرين غير الشرعيين، يعرض وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا ليبيا بشكل غير نظامي، ويُلزم المواطنين والمؤسسات بعدم توظيفهم، مع ضرورة ترحيل من لم يتمكن من تسوية وضعه القانوني.
-إنشاء برنامج لعودة المهاجرين، من خلال إصدار تشريع بإنشاء برنامج خاص للعودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية مع تخصيص ميزانية لهذا البرنامج.
-إنشاء محاكم خاصة، عبر إصدار تشريع لإنشاء محاكم خاصة بمحاكمة الليبيين المتورطين في تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد.
الاستراتيجية الدبلوماسية
دعت الاستراتيجية الدبلوماسية التي قدمها المجلس إلى اتخاذ تدابير حاسمة مع الأطراف الدولية لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية. وأكد المجلس على أهمية تعديل بعض الاتفاقيات التي أثرت سلبًا على وضع ليبيا كمحطة عبور للمهاجرين، ومنها:
-إلغاء مذكرة التفاهم الإيطالية، حيث أوصى المجلس بأن تقوم الخارجية الليبية بمراسلة الخارجية الإيطالية لمطالبتها بإلغاء مذكرة التفاهم الموقعة في فبراير 2017، التي ساهمت في تفاقم أزمة المهاجرين في ليبيا.
-التمسك بمعاهدة الصداقة الليبية الإيطالية، إذ شدد المجلس على ضرورة تفعيل معاهدة الصداقة الليبية الإيطالية الموقعة في 2008، لا سيما المادة المتعلقة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، مع تأكيد على ضرورة أن يتحمل الاتحاد الأوروبي جزءًا من تكاليف مراقبة الحدود البرية.
-إصدار بيان رسمي واضح، حيث دعا المجلس إلى إصدار بيان رسمي من الحكومة الليبية لتوضيح موقفها من الهجرة غير الشرعية، مؤكدًا أن ليبيا ليست مسؤولة عن بقاء المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، وأنها مستعدة لتقديم المساعدة فقط لمن يرغبون في العودة إلى بلدانهم.
-دعوة لعقد مؤتمر أوروبي-أفريقي، إذ اقترح المجلس تنظيم مؤتمر يهدف إلى وضع استراتيجية أفريقية موحدة للتعامل مع الهجرة غير الشرعية، ورفض محاولات توطين المهاجرين في دول العبور.
الاستراتيجية الاقتصادية
وأوصى المجلس بتطبيق تدابير اقتصادية تهدف إلى تقليص الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين غير الشرعيين داخل ليبيا، وتشجيعهم على العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية. ومن أبرز هذه التدابير:
-دعم مالي للمهاجرين، حيث تتحمل الدولة الليبية جزءًا من رواتب الأجانب العاملين في البلاد، فضلاً عن تحمل رسوم إجراءاتهم الصحية واللوجستية.
-فتح فرص عمل في الدول الإفريقية، من خلال تسهيل فرص توظيف للمهاجرين الراغبين في العودة إلى بلدانهم من خلال دعم برامج التوظيف في الدول الإفريقية.
-تخصيص منح مالية للمهاجرين، من خلال تخصيص منح مالية أو مساعدات إنسانية للمهاجرين غير الشرعيين الذين يتعاونون مع عمليات حصرهم، بهدف تشجيعهم على العودة إلى بلدانهم.
-إغلاق مراكز إيواء المهاجرين، بالعمل على تفكيكها بشكل تدريجي، مع تقديم الدعم فقط للمهاجرين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلدانهم.
الاستراتيجية الأمنية
وأكد مجلس الأمن القومي أن الاستراتيجية الأمنية هي أحد الركائز الأساسية لمكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، حيث تتطلب الوضع الأمني تدابير صارمة لضبط الحدود ومكافحة شبكات تهريب البشر.
ومن أهم الإجراءات الأمنية التي اقترحها المجلس:
-مراقبة الحدود البرية: إنشاء منظومة فعّالة لمراقبة الحدود البرية الجنوبية، بما في ذلك التنسيق مع الشركاء الأوروبيين.
-حصر المهاجرين غير الشرعيين: تنفيذ عملية حصر شاملة للمهاجرين غير الشرعيين الموجودين على الأراضي الليبية، ومنحهم بطاقات حصر مؤقتة لمدة لا تتجاوز 6 أشهر.
-مكافحة تهريب البشر: تنفيذ عمليات أمنية موسعة تستهدف شبكات تهريب البشر التي تقوم بتهريب المهاجرين إلى ليبيا.
-تدريب العناصر الأمنية: التأكد من تدريب كافة القوات الأمنية المشاركة في عمليات الهجرة على احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
-إعادة تشكيل جهاز أمن السواحل: إعادة هيكلة جهاز أمن السواحل ليشمل ضباطًا مؤهلين فقط، مع ضمان عدم تلقي تمويلات من دول أو منظمات أجنبية.
-توحيد المؤسسات الأمنية: العمل على توحيد المؤسسة العسكرية والقوات الشرطية، وضبط التشكيلات المسلحة غير النظامية.
واختتم مجلس الأمن القومي بتأكيده على أن نجاح هذه الاستراتيجيات يتطلب تنفيذها بشكل منسق ومتوازٍ، مع ضمان التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية.
وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى الحفاظ على سيادة الدولة الليبية، وحماية الأمن الوطني، والتعامل بشكل إنساني مع أزمة الهجرة غير الشرعية بما يتوافق مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان. (الأنباء الليبية) ف خ