طرابلس 22 مارس 2025 (الأنباء الليبية)- قالت مديرة شركة الأسد للخدمات السياحية، سلمى الخويلدي، إن السفارة الإيطالية بطرابلس منحت أكثر من 15 ألف تأشيرة للليبيات والليبيين خلال العام 2024 ما يؤشر على تحسن كبير في الأوضاع الأمنية في البلاد، مؤكدة أن أربع سفارات أوروبية تمنح اليوم تأشيرة فضاء شنغن من طرابلس، هي إيطاليا، مالطا، إسبانيا واليونان، وقنصليتي كل من إيطاليا واليونان من بنغازي، وقريبا ألمانيا.
وأوضحت الخويلدي في مقابلة مع مراسلة لصحيفة الأنباء الليبية أن حصول المواطنين الليبيين على تأشيرة فضاء شنغن من كافة السفارات والقنصليات الأوروبية المعتمدة في طرابلس وبنغازي، كان أمرا سهلا وخال من أي تعقيد قبل الانتفاضة التي شهدتها ليبيا عام 2011 غير أن الوضع شهد بعض التشديد بعد 2011، وبات شديد الصعوبة ومستحيلا في بعض الحالات، بعد حرب “فجر ليبيا” عام 2014 التي أغرقت البلاد في فوضى أمنية عارمة وحالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار وانتشار كثيف للسلاح خارج سلطة القانون وتغول الجماعات المسلحة، وأدت بالتالي إلى رحيل جميع سفارات دول الاتحاد الأوروبي التي تشكل فضاء شنغن ونقل مقراتها إلى تونس، وكافة السفارات الأخرى باستثناء عدد بسيط من سفارات الدول الأفريقية.
يتكون فضاء شنغن من 29 دولة، 25 منها هي من دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أربع دول أعضاء في رابطة التجارة الحرة الأوروبية، أيسلندا، وليختنشتاين، والنرويج، وسويسرا.
وتقول الخويلدي من داخل مكتبها الذي يحتل فضاء بارزا في الدور 16 من برج طرابلس، بإطلالة جميلة على الواجهة البحرية للعاصمة وعلى الجزء الغربي من المدينة القديمة، إن تعقيد إجراءات الحصول على تأشيرة فضاء شنغن لكافة الأغراض، الدراسة والعلاج والسياحة والأعمال والزيارات العائلية، جعلت شركات السياحة في ليبيا تُفكر في تقديم هذه الخدمة بمقابل للمواطن من خلال مساعدته في بناء ملف صحيح وفق الشروط المطلوبة لضمان نسبة عالية من الموافقة على الطلب، والحصول على موعد للتقديم، وترجمة المستندات المطلوبة، مبينة أن هذه الأتعاب تتراوح بين 1000 و2000 دينار، بالإضافة إلى مصاريف التأشيرة التي تتراوح بين 450 و1200 دينار.
واجه الليبيون صعوبات جمة في التنقل والحصول على تأشيرات السفر سواء من دول فضاء شنغن أو الدول الشقيقة والصديقة التي فرضت جميعها قيودا على دخول الليبيين إلى أراضيها باستثناء تونس، وهي الدولة الوحيدة التي لم تغلق حدودها، إلا في حالات استثنائية من الجانبين، ولم تفرض التأشيرة مطلقا، ما جعل منها، مرة أخرى، الرئة التي تنفس بها الليبيون وقاعدة لتواصلهم مع العالم الخارجي وقتذاك.
ورأى الصحفي محمد الرحيبي الذي اضطر للسفر إلى تونس رفقة والده الذي كان يحتاج للعلاج في ألمانيا عام 2015، أربع مرات متتالية للحصول على الموعد والمراجعة والتقديم والاستلام، أن الحكومات الليبية المتعاقبة بعد 2014 لم تقم بواجبها تجاه الليبيين ولم تدافع عنهم وتركتهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم أمام مصاعب الحصول على التأشيرة وعمليات الابتزاز والنصب والاحتيال المصاحبة لها.
وأضاف في تصريح لـ (الأنباء الليبية)، أن ليبيا ليست دولة سياحية لتفرض مبدأ المعاملة بالمثل ولكنها تتوفر على ما هو أقوى من السياحة، منها عقود الطاقة ومشاريع البناء وإعادة الإعمار التي تُقدر بالمليارات ويسيل لها لعاب الشركات الكبرى، غير أن المسؤولين في الحكومات المتعاقبة لم يستخدموا هذه الأدوات لإجبار تلك الشركات ذات النفوذ الواسع، على الضغط على حكوماتها لتخفيف، إن لم يكن إلغاء، القيود الشديدة والمشددة وغير المبررة التي فُرضت على المواطن الليبي وحدت من حريته في التنقل، بسبب انغماس معظمهم في مسالك الفساد ونهب المال العام.
وأكد الرحيبي بالمناسبة أن الليبيين لم يكن لهم أي دور يُذكر فيما عُرف بالهجمات الإرهابية التي شهدتها بعض دول القارة العجوز والدول الأخرى ليواجهوا مثل تلك القيود المشددة من قبل دول فضاء شنغن، لأن ليبيا نفسها كانت ضحية للإرهاب، باستثناء عملية (مانشيستر- أرينا) التي تورط فيها مواطن ليبي مقيم في بريطانيا، مستغربا في ذات السياق القيود التي فرضتها أيضا دول عربية شقيقة يقيم عشرات الآلاف من مواطنيها على الأراضي الليبية، يعملون في مختلف القطاعات الليبية ويُحولون أموالهم إلى عائلاتهم، على تنقل الليبيين.
وأوضحت مديرة شركة الأسد للاستثمار والخدمات السياحية أن القيود المشددة التي فرضتها دول فضاء شنغن بعد 2014 في وجه الليبيين الراغبين في الحصول على تأشيرة الدخول لهذه المنطقة، اشترطت، فيما يتعلق بالأعمال، الدعوة الرسمية من الشركة في البلد المستضيف وضمانات مكتوبة، وفي مجال العلاج، الحجز وموافقة المستشفى ودفع التكاليف الخاصة بالعلاج مقدما، وبالنسبة للدراسة، التسجيل والحصول على القبول من الجامعة أو المعهد ودفع الرسوم المقررة مقدما، أما فيما يتعلق بالسياحة فكانت الشروط تتطلب الحجز الفندقي، تذكرة السفر ذهابا وعودة، كشف حساب مصرفي حديث، والخضوع لاستجواب في مقابلة شخصية عن أسباب اختيار هذه الوجهة للسياحة وما إلى ذلك من الأسئلة المعقدة، مشيرة إلى أن إحضار هذه المستندات وتسليمها مع دفع الرسوم المقررة إلى السفارة لا يعني ضمان الحصول على التأشيرة حيث تم بالفعل رفض العديد من الطلبات من مختلف السفارات الأوروبية دون إبداء الأسباب.
وقالت “لا ننكر أن بعض الليبيين تحصلوا على تأشيرة دخول فضاء شنغن أو ركبوا البحر وطلبوا اللجوء غير أن عددهم بسيط جدا مقارنة بمواطني دول الجوار وسائر الدول الأفريقية والآسيوية ليتم فرض مثل هذه القيود المعقدة على الليبيين في حين أن منح تأشيرة فضاء شنغن لمواطني الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية يتم بسلاسة إلى اليوم”.
ولاحظت الخويلدي على سبيل المثال أن الحصول على تأشيرة علاج في ألمانيا صعب جدا وقد يكون مستحيلا بسبب القيود والشروط التي تفرضها السفارة الألمانية منها ضرورة دفع تكاليف العلاج مسبقا إلى المستشفى ليصدر موافقته على قبول المريض مشيرة إلى أن تحويل المبلغ الذي يطالب به المستشفى الألماني بعد تشكيل لجنة لدراسة الحالة بناء على التقرير الطبي يتم وفق مسالك رمادية في السوق الموازية السوداء لعدم وجود تحويلات رسمية من المصارف التجارية العاملة في ليبيا، مؤكدة أن الكثير من الليبيين ضاعت أموالهم وسط فوضى التحويل من ليبيا إلى تركيا أو الإمارات ومنها إلى ألمانيا، ومشيرة إلى أن هذا الوضع استمر من 2014 إلى نهاية العام 2019 إلا أنها أوضحت أن هذه القيود خفت نوعا ما بعد ذلك.
وحول التأشيرة الأمريكية أكدت سلمى الخويلدي أن الحصول عليها كان يتم بصورة سلسة في عهد إدارة الرئيس بايدن ولم يكن المواطن الليبي بحاجة إلى أية وكالة سياحية إذ كان يتوجه إلى تونس ويقدم طلب الحصول على التأشيرة مباشرة إلى القسم الخاص لدى السفارة الأمريكية، غير أنها قالت إن الوضع بات معقدا جدا بعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 واتخاذه تدابير بقمع الهجرة إلى الولايات المتحدة وفرض قيود على دخول مواطني العديد من الدول بينها ليبيا.
وردت في إجابتها على سؤال حول اعتماد الشركات والوكالات السياحية منها شركتها، لدى السفارات الأوروبية بالنفي، مؤكدة أن السفارات لديها ممثلون خاصون معتمدون، وأن دور الشركات السياحية يقتصر على إعداد الملف بصورة مهنية وفق الشروط وتقديم المشورة والسعي لتحديد موعد التقديم، خاصة وأن المواطن الراغب في الحصول على التأشيرة يتعين عليه الحضور الشخصي لأخذ بصمته وصورته.
ولاحظت في سياق آخر أن خدمات المساعدة في الحصول على تأشيرة شنغن ليست دائمة وستنتهي بمجرد تحسن الأوضاع الأمنية بالكامل وإجراء الانتخابات وقيام الدولة حيث ستعود الأمور إلى نصابها ويتوجه المواطن كما كان يفعل في السابق إلى السفارة التي يرغب في الحصول على تأشيرة بلادها مباشرة دون وسيط، وأكدت أن شركتها التي أسستها عام 2022 بدأت استشراف المستقبل من خلال العمل مع شركات أخرى على مشروع استقبال الأفواج السياحية لزيارة ليبيا التي تزخر بموروث حضاري ضارب في أعماق التاريخ غني جدا وبكر، وطبيعة خلابة تشمل جزء كبيرا من الصحراء الكبرى و2000 كلم على ساحل المتوسط وحوالي 450 كلم يلتقي فيها البحر بالصحراء ويداعب البحر سفوح الجبل الأخضر ووديانه البديعة.
وأعربت مديرة شركة الأسد للاستثمار والخدمات السياحية، بعد أن كشفت عن وجود مشروع كبير للتعريف بالمناطق والامكانيات السياحية في ليبيا، عن اعتقادها بأن السياحية المحلية قادمة بقوة قريبا، وأن استقبال السواح الأجانب في الطريق هو الآخر مؤكدة أن أعدادا كبيرة من السياح الأجانب يرغبون في زيارة المعالم السياحية في ليبيا وقد نرى طليعة هذه الأفواج عام 2026، إلا أنها أشارت إلى أن العائق الوحيد يكمن حتى الآن في ارتفاع التكاليف بسبب السعر غير الواقعي للعملة الصعبة وتغول السوق السوداء التي تلحق فادح الضرر بالاقتصاد الوطني.
سلمى الخويلدي، سيدة ليبية اقتحمت هذا المجال الذي يُمكن أن يمثل رافدا مهما لتنويع مصادر الدخل في ليبيا التي يعتمد اقتصادها بنسبة 95 في المائة على الموارد النفطية، باحثة دكتوراه في العلوم السياسية في أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس، وهي المرأة الليبية الوحيدة اتي تدير شركتها في مجال السياحة والاستثمار السياحي وسط فريق جميع أعضائه من السيدات الليبيات، مؤمنة بأنه طالما المرأة عازمة لا توجد مهنة حكرا على الرجل، ومصممة على الابداع والنجاح. (الأنباء الليبية) ص و
حوار وتصوير: أميرة التومي – زهرة الفيتوري