طرابلس 10 أبريل 2025 (الأنباء الليبية) – خبا صوت النول من “الفنيدقة”، وشارع “الأربع عرصات” في المدينة القديمة بطرابلس، وفي الكثير من البيوت في مدن الجبل الغربي، وباتت صناعة النسيج اليدوي، التي كانت توفر الكثير من مواطن الشغل خاصة لربات البيوت مهددة بالاندثار، ولعل عبد الباسط التاجوري، الرجل السبعيني الذي استقبل فريقا من وكالة الأنباء الليبية أمس الأربعاء في مشغله بروح شبابية، آخر رجال هذه الحرفة وهي واحدة من أقدم الصناعات التراثية الضاربة في أعماق التاريخ.
وتحدث التاجوري الذي يعمل على النول منذ طفولته وتشرب الصنعة عن جده وهو في سن الثامنة، عن التحديات التي تواجه هذه الحرفة وأبرزها عدم وجود المادة الخام من الأصواف في ليبيا بسبب العزوف عن العمل في تنظيف الصوف وغزله، واضطراره إلى السفر إلى تونس لشراء الصوف رغم مشقة السفر وغلق مشغله، ووجه بالمناسبة نداء ملحا إلى الوزارات والجهات المختصة في الحكومة الليبية لدعم هذه الحرفة التي تجسد تراثا ليبيا أصيلا.
وتابع أنه عمل في نسج البطانية والرداء والفراشية الطرابلسية ويطور عمله بين حين وآخر حيث عمل أيضا في نسج لباس الإحرام والعديد من المشغولات الصوفية مثل الكليم الأحمر الذي يقتنيه أهلنا في الجنوب، ويُستخدم اليوم في تزيين فضاءات الاستقبال في البيوت، والمرقوم الذي يستعمل كسجاد وفرش أرضي، إلا أنه بين أنه يضطر، عند شح الصوف، للعمل بـخيط “اللانة” لصناعة الوسائد والمفارش.
وأوضح التاجوري أن استيراده للصوف من تونس يسبب له إرباكا في عمله حيث يضطر للسفر بنفسه لاختيار الصوف الصالح للشغل والتأكد من أنه لم يتعرض للتسوس، ناهيك عن ارتفاع ثمن الصوف بالإضافة إلى مشقة السفر ومصاريف إقامته لثلاثة أيام على الأقل، مشيرا إلى أنه لا يُمكن استيراد الصوف بكميات كبيرة خشية تعرضه للتسوس والتلف ما يضطره للسفر عدة مرات في السنة، وهو أمر بات مستحيلا اليوم في ظل انهيار سعر صرف الدينار الليبي.
وأضاف أن الصوف الليبي يُعتبر من أجود الأنواع في منطقة شمال افريقيا إلا أن العائلات التي كانت تعمل في تنظيفه في مياه البحر أولا وتجفيفه على الشاطئ، والعودة مساء لتنظيفه بماء الحنفية في البيوت ونشره على أسطح المنازل ليجف ثم تنفيشه يدويا وتفكيك كافة العقد منه وتمريره على “القرداش” لتسهيل عملية غزله، اندثرت ولم يعد أي أحد يمتهن هذا العمل الذي يُمكن أن يُوفر الكثير من مواطن الشغل لربات البيوت تحديدا وزيادة دخلها.
واستطرد أنه تُوجد مصانع للصوف في المرج وبني وليد إلا أن بعد المسافة مع المرج يُشكل عائقا، وفي بني وليد رفض المصنع تزويدنا بكمية من الصوف ما بين 400 و500 كيلوغرام في العام بحجة أنه يحتاجها في صناعة السجاد وبالتالي أضطر للعمل بخيط “اللانة” المستورد من تونس أيضا والذي سيرتفع سعره حتما بعد الانهيار الأخير لسعر صرف الدينار الليبي.
ودعا في هذا الصدد إلى ضرورة إيجاد جمعية أو نقابة للحرفيين العاملين على النول والسداء للحفاظ على استدامة هذه الحرفة وعدم تلاشيها باعتبارها موروثا ليبيا أصيلا، مؤكدا أنه باستثناء جهاز إدارة المدينة القديمة الذي وفر له محلا للعمل بإيجار رمزي، لم تقم أية جهة في الدولة بما في ذلك وزارة السياحة والصناعات التقليدية بدعم حرفة النول.
وأكد التاجوري أن المنتوجات الصوفية مثل البطانية والجرد الليبي (الحولي) والكليم والمرقوم تعيش عقودا وتحافظ على جمالها وجودتها في حين أن البطانية الصناعية على سبيل المثال لا تُعمًر سوى بضع سنوات مؤكدا أن بعض العائلات الليبية لا تزال تحتفظ ببطانين تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.
وفي رده على سؤال لمراسلة (وال) حول توقعاته بإمكانية استمرار هذه الحرفة من عدمه قال إنه الوحيد الذي يعمل في السوق في طرابلس على نول الصوف منذ حوالي 25 عاما، حبا في الحرفة وليس بحثا عن الثراء، التحق به ثلاثة آخرون داخل سور المدينة القديمة، بينما يعمل حرفيون آخرون يُعدون على أصابع اليد على نول الحرير، مشيرا إلى أنه قام بتدريب سيدتين ليبيتين افتتحتا مؤخرا مشروعا في “حوش الصابون” بالمدينة القديمة، وهناك حديث عن مساع لافتتاح مدرسة لتنظيم دوارات تدريبية عامة على النول.
وأكد التاجوري على أن من يعمل في هذه الحرفة لابد أن يحبها حتى يستطيع إتقانها ولابد أن يكون لديه إنتماء وغيرة على التراث الوطني باعتبار أن هذه الحرفة تراث ليبي أصيل.
وعن إمكانية نقل الحرفة إلى أبنائه، قال عبد الباسط التاجوري” لدي إبن يعمل في وظيفة حكومية وآخر مصاب بمتلازمة داون أتقن العمل على الدولاب ويساعده على النول لكنني أتجنب الضغط عليه كثيرا حتى لا ينفر نظرا لوضعه الصحي”.
وأوضح أن فترة إنجاز المنتوج الذي يعمل عليه بالصوف تختلف حسب طول القطعة وحمها مبينا أن قطعة بطول خمسة أمتار يتطلب عملا ما بين خمسة أيام وأسبوع.
وأفاد بأن المرقوم يعمل عليه عادة العنصر النسائي وعلى نول خاص لأنه عريض أما صناعة الحمل فباتت اليوم صعبة لأنه يُصنع من وبر الإبل وشعرالماعز وتكلفته باهظة تصل إلى ألفي دينار ويُنسج على قطع من 60 سنتيمترا قبل أن تُخاط مع بعضها.
ووجه عبد الباسط التاجوري في ختام اللقاء نداء إلى جهات الاختصاص لدعم حرفة النول اليدوي خاصة وكافة العاملين في الصناعات التقليدية وتسهيل إجراءات تأسيس الجمعيات والروابط والنقابات وتوفير المادة الخام (الصوف) وتسهيل إجراءات التراخيص لتجنب تلاشي مثل هذه الحرف التاريخية. (الأنباء الليبية طرابلس) س خ.
-حوار: أميرة التومي – ساسية اعميد
-تصوير: اسماعيل الكوربو