بنغازي 17 إبريل 2025 (الأنباء الليبية) – تشهد ليبيا في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في معدلات الانتحار، ما يثير قلقًا واسعًا بين المتخصصين في الشأنين الصحي والاجتماعي، ويجعل من هذه الظاهرة إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تهدد تماسك النسيج المجتمعي وسلامة أفراده.
ورغم أن الحديث عن الانتحار لا يزال يواجه محظورات ثقافية واجتماعية في ليبيا، إلا أن الأرقام والقصص التي تتسرب من بين الجدران المغلقة كافية لتكشف حجم المعاناة التي يعيشها بعض الأفراد بصمت، دون أن يجدوا منصات إنصات أو مظلات دعم فعّالة.
مأساة عائلة السنوسي
في أحد أحياء مدينة بنغازي، تتجلى صورة مأساوية لما قد تؤول إليه الأمور في غياب الرعاية والدعم، حيث عاشت عائلة السنوسي فصولًا قاسية من الألم بعد أن فقدت ابنها الوحيد منتحرًا في مشهد موجع لا يُنسى.
الابن الذي كان يؤمل أن يكون العون والسند لأسرته بعد زواج شقيقاته، تحوّل تدريجيًا إلى مصدر خوف وقلق بعد انغماسه في عالم المخدرات. عجزت العائلة عن إنقاذه، وفشلت المحاولات المحدودة في إعادته إلى الحياة، لتنتهي القصة بانتحاره في غرفته، وسط صمت المدينة.
أرقام تكشف عمق الأزمة
بحسب ما أفادت الخبيرة في الشؤون الاجتماعية ومديرة إدارة المرأة والطفل عند الفائدي، فقد بلغ معدل الانتحار في ليبيا خلال عام 2024 نحو 4.5 حالة لكل 100 ألف نسمة، أي ما يعادل 304 حالة انتحار، كان منها 206 ذكور و98 إناث. وفي النصف الأول من العام نفسه، تم تسجيل 44 حالة انتحار في 15 بلدية ليبية، تصدرت فيها بنغازي القائمة بـ19 حالة، تلتها البيضاء بـ4 حالات، ما يشير إلى اتساع رقعة الظاهرة وخروجها عن نطاق الحالات الفردية المعزولة.
تشير دراسة صادرة عن مديرية أمن طرابلس إلى أن الأسباب المؤدية إلى الانتحار في ليبيا متعددة، تتقاطع فيها الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، أبرزها: الاضطرابات النفسية والاكتئاب بنسبة 35.25%، العزلة وفقدان الأمل بنسبة 26.47%، الإدمان على المخدرات والكحول بنسبة 11.76%، بينما تشكل البطالة والأزمات المعيشية الجزء الأكبر من الدوافع.
استجابات محلية… خطوات محدودة
مع تسارع تفشي هذه الظاهرة، بدأت بعض الجهات الرسمية في ليبيا اتخاذ خطوات أولية لمواجهتها، فقد كلفت وزارة الشؤون الاجتماعية مركز الدراسات الاجتماعية بإجراء بحوث ميدانية لرصد أسباب الانتحار، بينما نظّمت وزارة الداخلية ندوات توعية تهدف إلى فتح نقاش عام حول هذه الظاهرة، كما قامت بتسليط الضوء على سبل الوقاية منها.
ومع ذلك، لا تزال هذه الإجراءات محدودة في ظل انعدام الدعم المادي والفني الذي يعاني منه القطاع الصحي والاجتماعي في ليبيا.
لم يعد الانتحار في ليبيا مجرد قضية صحية أو نفسية، بل هو تحدٍّ إنساني واجتماعي واقتصادي يتطلب استجابة شاملة من الدولة ومؤسساتها المختلفة، منظمات المجتمع المدني، والأسر لحماية الأرواح وإنقاذها.
خطة عالمية للوقاية من الانتحار حتى 2030
أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الانتحار يعد رابع سبب رئيسي للوفاة بين الشباب (15-29 عامًا)، وفي إطار سعيها للحد من هذه الظاهرة بحلول عام 2030، أطلقت المنظمة استراتيجية “عِش الحياة “، التي تركز على الحد من الوصول إلى وسائل الانتحار، تثقيف وسائل الإعلام حول التغطية المسؤولة، تعزيز المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى الشباب، والاكتشاف المبكر للحالات المعرضة للخطر وتقديم الدعم النفسي والعلاجي المناسب. (الأنباء الليبية) ك و
تقرير | حنان الحوتي