بنغازي 17 أبريل 2025 (الأنباء الليبية) – في محل لبيع المواد الغذائية بمنطقة سيدي حسين في بنغازي، وقف فهد، رب أسرة مكونة من خمسة أفراد، وهو يراقب بعينين مليئتين بالقلق الارتفاع المستمر في أسعار السلع الغذائية ليقف محرجاً أمام أبنه الذي كان يرافقه والذي طلب منه شراء بعض الحلوى.
يقول فهد لمراسلة صحيفة الأنباء الليبية التي كانت في جولة ميدانية لإعداد تقرير عن ظاهرة ارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق : ” الأسعار ترتفع يومًا بعد يوم، ونحن نركض خلف لقمة العيش في سوق ترتفع أسعاره باستمرار وبشكل غير منطقي “.
يقول فهد : “كنت أعمل في ورشة صغيرة، لكن مع ارتفاع الأسعار وتراجع الزبائن، لم أعد أستطيع تأمين احتياجات أسرتي كما في السابق. حتى شراء الحليب أو الأدوية أصبح عبئًا علينا. لا نريد شيئًا سوى الاستقرار والقدرة على العيش بكرامة”.
قصة فهد، كحال آلاف الليبيين من ذوي الدخل المحدود، تعكس واقعًا يوميًا يعيشه المواطن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، باتت تؤثر على تفاصيل الحياة كافة، من الطعام إلى العلاج، في ظل غياب حلول واضحة وتحسُّن ملموس في الأفق.
الأزمة الاقتصادية: بين الضغوط الاقتصادية والانعكاسات الاجتماعية
ومع تنامي الأزمة الاقتصادية في ليبيا، تتزايد الآثار السلبية على الحياة اليومية للمواطنين، حيث يعاني العديد من الأسر الليبية من صعوبات مالية جمة في ظل تدهور القدرة الشرائية للدينار الليبي وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. ومع غياب حلول اقتصادية فعالة، تتفاقم الوضعية، مما يزيد من صعوبة تأمين احتياجات الأسرة الأساسية.
وفي حديث مع “الأنباء الليبية”، أكد الدكتور حلمي أحمد القماطي، أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد – جامعة بنغازي، أن تخفيض قيمة الدينار الليبي بنسبة 13.3% في ظل غياب ميزانية موحدة والانقسام المالي يمثل مخاطرة اقتصادية كبيرة.
وأوضح أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تفاقم معدلات التضخم، وزيادة غلاء الأسعار، وتراجع القوة الشرائية، ما ينعكس بشكل مباشر على مستوى المعيشة.
الآثار السياسية والاجتماعية: زيادة التوترات في المجتمع
من جهة أخرى، أكد محمد خليفة العقوري، رئيس الجمعية العمومية للجمعية الليبية للعلوم السياسية، أن الأزمة الاقتصادية في ليبيا تعتبر أحد أبرز العوامل التي تساهم في تفاقم التوترات السياسية والاجتماعية في البلاد. ولفت إلى أن هذا التدهور الاقتصادي يؤدي إلى زيادة الانقسامات الداخلية، حيث يواجه المواطنون صعوبة في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
وأضاف العقوري: “هذه الأوضاع تؤدي إلى زيادة معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الخدمات العامة، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في ليبيا.”
تعقيدات إضافية في سوق الصرف
في سياق متصل، أشار القماطي إلى أن الضغط على سوق الصرف نتيجة للطلب غير التجاري على الدولار، مثل التحويلات الفردية، أصبح أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الليبي في الوقت الراهن. وقال: “من الضروري وضع ضوابط رقابية صارمة على استخدام النقد الأجنبي، مع تشجيع الإنتاج المحلي”، مشددًا على أن تعديل سعر الصرف وحده لا يكفي لتحقيق الاستقرار المالي دون إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة.
تزايد الفجوة الاجتماعية: تأثيرات الأزمة على الفئات الضعيفة
أما من الناحية الاجتماعية، فقد أكدت إلهام دبوب، المتخصصة في البحوث والدراسات الاجتماعية، أن الأزمة الاقتصادية تعمق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. وأوضحت أن الطبقات ذات الدخل المحدود تواجه صعوبات متزايدة في تأمين الاحتياجات الأساسية من تعليم ورعاية صحية، بينما تستفيد الطبقات الأكثر قدرة من خدمات وامتيازات غير متاحة للغالبية. وقالت دبوب: “هذه التفاوتات تهدد الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأفراد، مما يزيد من التوترات في المجتمع.”
آفاق الحلول: تعزيز العدالة الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية
دعت دبوب إلى ضرورة تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص متكافئة لجميع أفراد المجتمع، مشددة على أهمية تبني سياسات اقتصادية شاملة، تشمل دعم القطاعات غير النفطية، ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى ضرورة إصلاح القطاع المصرفي لدعم التنمية المستدامة.
وفي ختام حديثها، أكدت دبوب على أن الحلول الاقتصادية يجب أن تركز على تعزيز الإنتاج المحلي وتطوير البنية التحتية في المناطق الأكثر تضررًا، وهو ما من شأنه أن يساعد في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية في ليبيا.
ويقول خبراء اقتصاديين أن قرار مصرف ليبيا المركزي بتعديل سعر الصرف كان له تأثير مباشر على المواطن الليبي، حيث أدى إلى زيادة حدة التضخم وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، مما زاد من معاناة الأسر ذات الدخل المحدود.
وأشاروا أن تراجع القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة، خاصة في ظل ضعف الإيرادات النفطية والانقسام السياسي الذي ساهم في غياب السياسات الاقتصادية الموحدة.
وأوضحوا أن الطلب المتزايد على الدولار أصبح يشكل ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد، مما جعل المواطنين يواجهون تحديات أكبر في تلبية احتياجاتهم الأساسية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من حالة من عدم الاستقرار.
(الأنباء الليبية) تقرير / أحلام الجبالي