طرابلس 23 أبريل 2025 (الأنباء الليبية) – أصبحت كلفة العلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة تثقل كاهل العائلات الليبية التي تضطر الى اللجوء إليها بسبب حالة الانهيار المزمنة في المنظومة الصحية العامة رغم الميزانيات الكبرى التي تم انفاقها عليها وفق البيانات الرسمية الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي.
ويعاني الليبيات والليبيون من ضغوط متزايدة في حياتهم اليومية تحت وطأة الارتفاع المستمر في أسعار المأكل والملبس والمواصلات والدراسة والدواء وغيرها من متطلبات الحياة، بعد أن توقف غطاء دعم الدولة باستثناء الوقود الذي لا يخلو من شبهات فساد و”كارتيلات” شبكات التهريب.
وانتشرت في ليبيا خلال العقد الماضي عشرات المستشفيات والعيادات والمصحات الخاصة في مختلف المدن والقرى، تعود ملكية معظمها إلى أصحاب رؤوس أموال لا يراعون أوضاع المرضى الليبيين ويفرضون أسعار مجحفة، تفوق في بعض الحالات الأسعار في خارج البلاد.
قال المواطن محمد إبراهيم لوكالة الأنباء الليبية إن فاتورة ولادة طفله الذي رزق به في مارس 2025 والذي تم الاحتفاظ به في الحضانة بسبب مشكلة في نمو الرئة لمدة أسبوع قد بلغت 10.700 دينار (عشرة آلاف وسبعمائة دينار) فيما بلغت فاتورة العملية القيصرية لزوجته 3.965 دينارا (ثلاثة آلاف وتسعمائة وخمسة وستون دينارا).
وصرح المواطن خالد الغليظ لـ (وال) أنه أسعف زوجته في مصحة خاصة بعد تعرضها لنوبه قلبية حيث أجريت لها عملية قسطرة تشخيصية وقسطرة علاجية مع تركيب ثلاث دعامات وإيوائها بقسم عناية القلب بتكلفة بلغت 56.000 دينار (ستة وخمسين ألف دينار) واضطر إلى الاستدانة من أسرته وبعض أصدقائه لتغطية الفاتورة.
وأضاف الغليظ أنه رغم دفع هذه الفاتورة الثقيلة إلا أن وضع زوجته لم يتحسن واضطر إلى نقلها إلى دولة مجاورة حيث نصحه الأطباء هناك بضرورة إجراء عملية قلب مفتوح، وحمد الله أن الدولة الليبية تكفلت بدفع تكاليف العلاج في الخارج ليُحافظ بذلك على بيته الذي كان عرضه للبيع لإنقاذ حياة زوجته.
ويشتكي الليبيون منذ عقود من ضعف الخدمات الطبية في المستوصفات والمستشفيات والمراكز الطبية العامة في كافة انحاء البلاد، وهي مؤسسات تعاني على مر العصور من نقص في الأطباء والعناصر الطبية المساعدة وشح الأدوية والمستلزمات الطبية التي تختفي في اليوم الثاني أو الثالث على الأكثر من وصولها من مخازن الإمداد الطبي، بحسب بعض المسؤولين، ومن الأعطال المستمرة في الأجهزة الطبية، لأسباب معقدة تعود بالأساس إلى استشراء الفساد، وعزوف معظم الأطباء الموفدين للدراسة في الخارج عن العودة إلى البلاد بسبب ضعف المرتبات، ليجدوا أنفسهم (الليبيون) مضطرين للاقتراض أو بيع ما لديهم من ممتلكات واللجوء الى العيادات الخاصة أو السفر للعلاج في الخارج.
وكان المبعوث الأممي الأسبق إلى ليبيا، غسان سلامة، أعرب في تصريحات صحفية عديدة عن استغرابه الشديد من المستوى المتدني لمعيشة الليبيين وانهيار الخدمات الصحية رغم إنتاج البلاد للنفط والغاز وتساءل: لماذا يعيش الليبيون مثل الصوماليين ولا يعيشون مثل الكويتيين وبلادهم تصدر نفطا وغازا مثل الكويت أو أكثر؟
وقال في هذا الصدد” رأيت بأم عيني رسائل الاعتماد الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي، ورأيت مدى الهدر والفساد والنهب. رأيت أول مبنى في زوارة وهو مستشفى سعته 340 سريرا شبه كامل ويحتاج إلى 10 في المائة فقط ليكون جاهزا فلماذا يذهب أهل المنطقة جميعهم للعلاج في تونس.
وأضاف سلامة قائلاً : رأيت في الزنتان مستشفى به جهاز واحد يعمل، و20 جهازا للولادة المبكرة وغسيل الكلى حديثة من شركات عالمية جميعها عاطلة لم يتم إصلاحها. والدولة تنفق أمولا طائلة للعلاج في تركيا ومصر وتونس والأردن. رأيت مئات الليبيين غير مرضى تنفق عليهم الدولة للعلاج في الخارج. رأيت المستشفيات في هذه الدول تضخم الأرقام لتحصل على المزيد من الأموال الليبية. ولذلك قلت هذا ليس فسادا وإنما هو نهب. كان ضميري مرتاحا واليوم مرتاح أكثر. رأيت أيضا الفقر في ليبيا وهو فقر لم يكن يجب أن يكون”.
وأكد سلامة” هناك أناس في ليبيا جلدهم أقسى من جلد التمساح لا يريدون سماع هذا الكلام، وأبلغت السراج بذلك خلال 3 أو 4 لقاءات فبكى، وكررت له هذا الكلام في تونس أمام سفراء الدول الكبرى” …
رحل السراج ولم يتغير شيء إلى اليوم في حياة الليبيات الليبيين بل زادت صعوبة وتعقيدا وفوضى واتسعت دائرة الفقر وانهيار الدينار الليبي.
وقالت مسئولة في قسم الايواء بمصحة خاصة بطرابلس، طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن سعر الولادة الطبيعية يكلف 1700 دينار في حين تصل العملية القيصرية إلى 3200 دينار، وتتراوح أسعار الحضانات ما بين 2000 و5000 دينار في الليلة حسب حالة المولود.
وأبلغت إحدى الممرضات بعيادة خاصة مراسلة لوكالة الأنباء الليبية أن تكاليف الحضانة تتراوح بين 700 و3.500 دينار حسب حالة المولود موضحة أنه يُوجد مواليد يحتاجون الى تغديه فقط وآخرون إلى حضانة علاجية ومن هنا تختلف الأسعار بحسب كل حالة.
ورصدت المراسلة وجود حضانات في مستشفى الجلاء بطرابلس إلا أن المستشفى يعاني من نقص الأدوية، ويتوفر مستشفى معيتيقة العسكري على حضانات غير أن الطلب عليها يفوق سعتها.
وقالت المواطنة (م . الشريف) أنها وضعت مولودة في يناير من العام الماضي في مركز طرابلس الطبي وكانت في حاجة إلى حضانة وفرها المستشفى غير أن المسؤولين طلبوا من الأب احضار جهاز توصيل الأكسجين من المولود إلى الحضانة الذي يبلغ سعره حوالي 900 دينار فقبل الأب الحل بدل أن يدفع 2000 دينار كل ليلة مقابل حضانة في عيادة خاصة.
يُذكر أن بيانات مصرف ليبيا المركزي كشفت أن إجمالي ما تم إنفاقه خلال عام 2024 على قطاع الصحة لحساب المستشفيات والعيادات والمختبرات والأجهزة والمعاهد والمراكز الصحية تجاوز 8.6 مليار دينار غير أن هذه الميزانيات لم تنعكس واقعيا على المشهد الصحي في ليبيا ولم يلمس المواطن تحسنا ملحوظا على وضع الخدمات الصحية حيث استمر نزيف العلاج في الخارج على حساب الدولة وتواصل الضغط على مدخرات المواطنين، إن وجدت، للعلاج في العيادات الخاصة المحلية والخارجية.
ويبقى السؤال المشروع الذي يتردد دون إجابة على ألسنة الليبيين لماذا لا توجد ضوابط تضعها وزارة الصحة بالتعاون مع نقابة الأطباء للأسعار التي تفرضها المصحات والمستشفيات الخاصة.
(الأنباء الليبية) متابعة وتصوير: أميرة التومي – ساسية اعميد