طرابلس 29 أغسطس 20107 (وال) – قام المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، اليوم الإثنين، بتقديم إحاطته حول ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي، وذلك عبر دائرة الفيديو من العاصمة طرابلس.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة لمجلس الأمن الدولي:
السيد الرئيس،
أعضاء المجلس الموقرون، في البداية، أود أن أهنئ مصر على ترؤسها مجلس الأمن هذا الشهر.
إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أتحدث إليكم من مجمع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في طرابلس. ووجودي هنا يُقصد به أن يدلّ على عزم البعثة وعزمي شخصياً على العمل على نحو وثيق قدر المستطاع مع الليبيين، في ليبيا.
فقبل شهر من الآن، توليت منصبي كممثل خاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وقد حالفني الحظ في أني كنت قد التقيت مسبقاً برئيس الوزراء، السراج، والقائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر في باريس في 25 يوليو، وتبادلت معهم الآراء قبيل تولي منصبي. كما كنت محظوظاً بما يكفي لتلقي المئات من المكالمات والرسائل ورسائل البريد الإلكتروني من جميع مناحي المجتمع الليبي وذلك عقب تسميتي.
وفي 5 أغسطس، قمت بأول زيارة رسمية إلى طرابلس والتقيت برئيس الوزراء ورئيس مجلس الدولة، السويحلي، وفي اليوم التالي مع رئيس مجلس النواب، صالح، والمسؤولين الليبيين. وكانت هذه الرحلة بداية مشاوراتي مع الليبيين من جميع الأطياف السياسية وفي جميع أنحاء البلاد.
ومنذئذ، كنت حاضراً في ليبيا بأكبر قدر ممكن، وذهبت إلى المدن في جميع المناطق: في طرابلس والقبة وبنغازي ومصراتة والزنتان والبيضا. ويؤسفني القول أنه بسبب تقييدات خارجية لم أقم بزيارة الجنوب بعد، وفي الواقع تم إلغاء رحلة يوم الخميس الماضي قبل ساعات قليلة من المغادرة، غير أننا نعمل بجد على التأكد من إجراء هذه الزيارة في أقرب وقت ممكن.
وفي كل من هذه الأماكن، اجتمعت مع شخصيات سياسية ومسؤولين عسكريين وأمنيين ومع نساء ومفكرين وناشطين وشباب.
وأنا بالفعل على قناعة بأن تمسكنا بالاتفاق السياسي الليبي كمرجع ينبغي ألا يحول بيننا وبين الوصول إلى جميع الليبيين، أياً كان وضعهم أو مواقفهم السابقة أو مواقفهم الحالية. بل لا بد لنا من التواصل كي نتمكن من تحقيق المصالحة لمصلحة الجميع.
وفي مشاوراتي الخارجية، سعيت إلى إبلاء الأولوية لجيران ليبيا. وشمل ذلك تونس، حيث أعربت أيضاً عن شكري للسلطات على دعمها وحسن ضيافتها لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية.
وفي مصر التقيت بالمسؤولين عن الملف الليبي وممثلي جامعة الدول العربية وبعض القيادات المجتمعية الليبية المقيمة هناك.
وفي الجزائر، أكد رئيس الوزراء، أويحيى، ووزير الخارجية، مساهل، مجدداً دعمهما لعملنا.
كما قمت أيضاً بزيارة إيطاليا حيث أعرب رئيس الوزراء، جنتيلوني، ووزرائه عن التزامهم بضمان نجاح جهودنا.
فجميع هذه البلدان سوف تنتفع من ليبيا تنعم بالاستقرار والسلام والمصالحة، كما ستنتفع الكثير من البلدان الأخرى.
وأتطلع إلى السفر في الأسبوع القادم إلى برازافيل في الكونغو حيث تعقد لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا اجتماعاً هاماً يضم الجهات الفاعلة الليبية الرئيسية.
وأعتزم توسيع نطاق زياراتي في الأسابيع والأشهر المقبلة، لتشمل دول جوار وبلدان أخرى في المنطقة وخارجها.
ومن خلال اجتماعاتي مع الليبيين، بدأت الصورة تتكشف. إذ يسيطر الإحباط على الناس إزاء تدهور أوضاعهم المعيشية. فقد مررت بنفس المصرف في طرابلس عدة مرات من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الساعة العاشرة ليلاً ورأيت الكثير من الناس لدرجة اعتقدت أنها مظاهرة. لم تكن كذلك! كانوا ينتظرون فقط الحصول على جزء ضئيل من مرتبهم الشهري – ما يعادل الآن ما قيمته 25 دولاراً.
ومن غير الطبيعي في هذه الدولة الغنية أن تغلق الأقسام الجامعية واحداً تلو الآخر لأن الفارق الباهظ في سعر الصرف أدى بأعضاء هيئة التدريس الأجانب إلى ترك عملهم بشكل جماعي.
لقد سئم الناس من انقطاعات لا حصر لها في الكهرباء والماء، والتي بدورها تتسبب في توقف نظام الهاتف والإنترنت. فليس بإمكان الليبيين أن يستوعبوا كونهم فقراء في بلد غني بالموارد الطبيعية؛ بلد منتج للنفط يضطرون فيه للوقوف في طابور الانتظار لبعض الأوقات في اليوم من أجل الحصول على 20 لتراً من البنزين.
فالانطباع بوجود اقتصاد سياسي متجذر قائم على السلب أضحى أمراً ملموساً، كما لو كانت البلاد تغذي أزمتها بمواردها ذاتها وذلك لصالح القلة وخيبة أمل الكثيرين.
ومن الواضح أن هناك مشكلة خطيرة في الحوكمة بنيغي معالجتها دون أي تأخير.
ومن الجلي أن رفاه الشعب عنصر أساسي في استقرار ليبيا في المستقبل. لذا فإني أعتزم العمل عن كثب مع شركائنا لضمان أن يكون بيننا تنسيق تام في تحقيق رؤية للاقتصاد الكلي للبلاد فيما تتم مساعدة السلطات على توفير الخدمات الأساسية.
إذ ما لم يتم التصدي للتحديات الاقتصادية، فإن الأزمة الإنسانية في ليبيا سرعان ما تتفاقم.
وبالنسبة للمدنيين المحتاجين، ينبغي أن تتاح لهم إمكانية الحصول على المساعدة الإنسانية دون عراقيل، ويجب توفير الحماية لموظفي الإغاثة.
ومما يبعث على القلق بوجه خاص هو الوضع الراهن في درنة حيث دعينا مراراً إلى أن يكون للمدنيين حرية التنقل وعملنا بنشاط من أجل إدخال الضروريات الأساسية إلى المدينة.
والتحدي الآخر الذي يشغل الليبيين هو بطبيعة الحال أمنهم. فثمة خوف كبير من الإجرام ومن الاختطاف والتهديدات التي يشكلها انتشار الأسلحة على نطاق واسع. وقد نمت ليلتي الأولى هنا في طرابلس على أصوات إطلاقات نارية متقطعة امتدت لفترة مطولة.
ويتعرض المدنيون للقتل أو الإصابة في جميع أنحاء ليبيا نتيجة للاشتباكات المسلحة المتفرقة والمتفجرات من مخلفات الحرب. كما يتم احتجاز الآلاف لفترات مطولة من الزمن، مع استبعاد احتمالية حصول الكثير منهم على محاكمة عادلة.
وقد نُسب الهجوم المروّع على نقطة تفتيش الفقهاء يوم الخميس الموافق 24 أغسطس، والذي شهد جريمة وحشية بقتل وقطع رأس تسعة جنود ومدنيين اثنين، إلى داعش.
فالليبيون الذين تحدثت إليهم يريدون وضع حد لحالة عدم اليقين وانعدام الاستقرار، وهم يكنون الاحترام لأولئك الذين يعملون من أجل السيطرة على الوضع. في طرابلس وبعض أجزاء أخرى من البلاد تحسن الوضع الأمني فعلا. وقد ارتفع إنتاج النفط بشكل ملحوظ، ما مكّن المجلس الرئاسي ومصرف ليبيا المركزي من العمل معاً من أجل تنفيذ الميزانية.
تلك خطوات إيجابية. بيد أن مفتاح الاستقرار الدائم يستلزم معالجة الوضع السياسي الشامل. وفي هذا الصدد، فإن القضايا الرئيسية التي تهيمن على المشهد السياسي هي كالآتي:
أولاً، الذكرى السنوية الثانية للاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر. ثمة عدم يقين حول ما تعنيه بالفعل نهاية الفترة الانتقالية التي تم تحديدها في الاتفاق السياسي الليبي. ومن أهم المهام العاجلة هي المساعدة على بناء توافق في الآراء بين الليبيين بشأن الأهمية القانونية والسياسية لذلك الموعد.
فالفراغ المؤسسي في هذا الوقت الدقيق لن يخدم مصالح ليبيا.
وقد أثار معظم مَن حاورتهم أفكاراً بشأن تعديل الاتفاق السياسي الليبي. وثمة توافق في الآراء بدأ يظهر بشأن هذه المسألة، وآمل أن أتمكن من الإعلان عن بعض التحرك في الأيام المقبلة.
ثانياً، احتمال اعتماد دستور للبلاد. فقد كان التصويت من قبل هيئة صياغة الدستور في 29 يوليو لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع النص منعطفاً هاماً. غير أنه يتم في الوقت الراهن النظر في شرعية هذا التصويت من قبل المحاكم.
ثالثاً، هناك دعوات متزايدة وواسعة النطاق لإجراء انتخابات جديدة. وقبل أن يتم ذلك، فإنه من الحكمة ضمان تلبية الشروط السياسية والفنية الأساسية اللازمة لإنجاح الانتخابات، ولا سيما التزام جميع الأطراف بقبول نتائج الانتخابات. فالانتخابات لا تعني التراكم، بل التناوب السلمي والمنظم.
وأخيراً، يلزم وضع حزمة سياسية للجمع بين هذه العناصر الثلاثة بشكل متسق. وهنا، تسلسل هذه العوامل سيكون عنوان المرحلة. إذ ليس بوسع الليبيين أن يحققوا نجاحاً في هذه العمليات الثلاث سوى من خلال قيامهم بتحديد تسلسل هذه العمليات وبأي قدر من الاستعجال عليهم القيام بذلك، ومن خلال مساعدتنا لهم على الجمع بين العناصر الثلاث في حزمة واحدة تعتبرها معظم الأطراف الفاعلة، إن لم يكن جميعها، مقبولة.
وفي أية حال، فإن أية جهود تُبذل للتوصل إلى حل يجب أن تكون بقيادة ليبية وبملكية ليبية. والأمم المتحدة هنا لدعمهم في مساعيهم، لا لتحل محلهم بالتأكيد.
وسنعمل معهم على وجه الخصوص على تعزيز إعادة توحيد مؤسساتهم السياسية والمالية بشكل سريع.
السيد الرئيس،
إن مشاكل ليبيا لا تقتصر على الشعب الليبي فحسب. فوجود داعش والجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة والمقاتلين الأجانب والمرتزقة، والاتجار بالأسلحة، واقتصاد السوق السوداء عبر الحدود، تشكل تحديات تمتد عبر حدود ليبيا وتؤثر على دول الجوار والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً. وما المواجهات المميتة التي اندلعت قبل ثلاثة أيام قرب الحدود مع تشاد إلا تذكير للجميع بمدى حساسية الظروف الحالية في ليبيا على الصعيد الإقليمي.
كما أثبتت الهجرة غير النظامية والإيرادات التي تولدها لشبكات المهربين أنها تشكل تهديداً مباشراً للاستقرار في أجزاء من ليبيا. وفي الوقت ذاته، كثيرا ما يعاني مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين العالقين في ليبيا من الإساءات والاحتجاز في ظروف لا إنسانية.
نحن بحاجة إلى العمل، ونحن بحاجة إلى العمل معاً، ونحن بحاجة إلى العمل الآن.
ولن نبدأ من الصفر. فبفضل أسلافي والجهود المتضافرة للدول الأعضاء، لدينا الإطار السياسي الذي يشكله الاتفاق السياسي الليبي. وهناك اعتراف واسع النطاق إلى حد ما في ليبيا بأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى. والالتزامات التي تضمنها بيان باريس بوقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسي للأزمة بدلاً من العسكري لا بد من دعمها بإجراءات ملموسة لتجنب تجدد التصعيد العسكري.
السيد الرئيس،
من أجل أن نضطلع بولايتنا، نواصل التحضير لزيادة وجود أسرة الأمم المتحدة في طرابلس ومن طرابلس إلى جميع أنحاء البلاد – حسبما تسمح به الظروف الأمنية.
إذ تعرض موكب يضم أفراد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى هجوم بإطلاق النار والقذائف الصاروخية في 28 يونيو وقد أصيب أحد الموظفين بجروح وحالفنا الحظ في عدم وقوع المزيد من الإصابات.
إن وجود الأمم المتحدة في ليبيا بالفعل أكبر بكثير من أي بعثة دبلوماسية أخرى، وسيتوسع أكثر في وقت قريب. ولا بد لنا من أن نظل مدركين بأننا نواجه مخاطر حقيقية في العمل في ليبيا، ومن المحتم عليّ أن أضمن تخفيف هذه المخاطر بأقصى قدر ممكن من الفعالية.
السيد الرئيس،
أود أن أتقدم بالشكر إلى جميع الدول الأعضاء التي عملت على دعم الاتفاق السياسي الليبي منذ توقيعه، والدول التي ساهمت في محاربة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى والدول التي ساهمت في تحقيق الاستقرار في البلاد.
وأتطلع إلى العمل مع جميع الأطراف المعنية الليبية والدولية من أجل توحيد جهودنا السياسية والأمنية والاقتصادية بطريقة متسقة ومنسقة.
وأقدر جهود جميع الحكومات والمنظمات العاملة على تعزيز السلام والمصالحة بين الليبيين. غير أن تزايد المبادرات الرامية إلى التوسط يفضي على نحو ما إلى الوقوع في خطر إرباك المشهد السياسي.
ثمة فرصة سانحة، والأمر بيد الشعب الليبي لاغتنام هذه الفرصة. ولم أكن لأضطلع بهذا الدور لولا إيماني بأن وضع نهاية سلمية وإيجابية للأزمة الليبية أمر ممكن.
ولهذا السبب، يعتزم الأمين العام أنطونيو غوتيريش خلال الاجتماع المقبل للجمعية العامة عقد اجتماع رفيع المستوى لتقديم خطة عمل. ولن أخوض في مزيد من التفاصيل حيث سيكون ذلك سابقاً لأوانه قبل اختتام جولتي من المشاورات مع الليبيين
وتقف الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد والمقدرة على العمل بما يحقق مصلحة جميع الليبيين على أفضل وجه وذلك على مسافة واحدة من جميع الأطراف. ويحدوني أمل كبير في أن نتمكن بفضل ثقة شركائنا الليبيين وثقة المنظمات الإقليمية والدول الأعضاء المعنية من تعزيز وتوحيد جهودنا الجماعية وان نعيد معاً ليبيا إلى مكانها الصحيح في أسرة الأمم – بلد واحد موحد مستقر ومزدهر. ( وال – طرابلس)